الآلية الأممية للمفقودين بسوريا "ترحيب" محفوف بالقلق


<p>على مدى سنوات مضت طالبت عائلات المفقودين في سوريا من أطراف النزاع كشف مصير أبنائها (مواقع التواصل)</p>
تعيش عائلة حمو في القامشلي بأقصى شمال شرقي سوريا في حالة من الحيرة والفقدان منذ تسع سنوات، بعد أن اختطف دواعش ابنها الصحافي فرهاد الذي كان يعمل مراسلاً لقناة “روداو” الكردية على الطريق الواصل بين المدينة وبلدة تل كوجر، إذ كان التنظيم الإرهابي حينها مسيطراً في المنطقة عام 2014، ومنذ ذلك الوقت دخلت العائلة في دوامة البحث والعيش على أمل استعادته أو الوصول إلى حقيقة مصيره.
ومع صدور القرار الأممي بتأسيس آلية خاصة للكشف عن مصير المفقودين في سوريا، تنتعش آمال هذه العائلة بمعرفة مصير ولدها، فيقول شقيق الصحافي المختطف آراس حمو، إنهم كانوا ينتظرون صدور مثل هذا “القرار التاريخي”، لافتاً الانتباه إلى أنهم سعداء بصدوره وعلى استعداد للعمل والتطوع في مساعدتهم.
اليوم يتمنى آراس ألا يكون عمل المؤسسة الأممية الجديدة مسيساً أو موجهاً نحو أطراف محددة في سوريا مثل مناطق النظام أو الإدارة الذاتية أو المعارضة، “فقضية المفقودين هي الأكثر إيلاماً من الناحية الإنسانية، فالشخص الذي قتل أو توفي قد عرف مصيره لذويه وتقبلوا حقيقة ذلك مع الأيام لكن المصير المجهول للمفقودين هو ألم يتجدد كل يوم لدى ذويهم”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يخلو حديث شقيق الصحافي من آلام عاشتها الأسرة منذ سنوات، فعائلته لا تعرف حتى هذه اللحظة مصيره، فتارة يسمعون بأنه كان في سجون “داعش” وتارة أخرى أنه موجود في سجون الإدارة الذاتية مع عناصر التنظيم بعد معركة الباغوز ومرة أخرى يسمعون بوجوده في الصحراء مع التنظيم الإرهابي أو في سجون النظام، فهم في حالة من عدم اليقين منذ تسع سنوات، لذلك لديهم أمل كبير في دخول المؤسسة الأممية الجديدة إلى السجون ومعرفة مصير المفقودين ومنهم فرهاد حمو.
خريطة واسعة
يبدو سيناريو اختفاء فرهاد حمو يشبه المئات وربما الآلاف من الذين اختفوا في ظل سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي لكنها تقابل عشرات الآلاف من الحالات المختلفة للاختفاء القسري في مناطق سيطرة النظام السوري، حيث النسبة الكبرى من المفقودين في البلاد منذ اندلاع الأزمة فيها، ويقدر عددهم بـ130 ألف شخص في الأقل والإحصاءات غير نهائية، بحسب ناشطين، وربما هذا ما يفسر موقف الحكومة السورية الرافض من الموافقة على إنشاء الآلية التي جرى التصويت عليها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس 29 يونيو (حزيران) الماضي التي شارك في صياغة مشروع قرارها كل من لوكسمبورغ وألبانيا وبلجيكا والرأس الأخضر وجمهورية الدومينيكان ومقدونيا.
ورحب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بقرار الجمعية العامة. وقال في تغريدة نشرتها صفحة المفوضية على “تويتر” إن “المبادرة مطلوبة بشدة، فالعائلات لها الحق في معرفة مصير وأماكن وجود أحبتها بهدف مساعدة المجتمع بأسره على التعافي”.
أرقام غير مكتملة
من جهتها، قالت ياسمين المشعان من رابطة عائلات قيصر، والتي فقدت خمسة أشخاص من عائلتها في سوريا وظهر أحدهم في الصور التي نشرت بين ما يعرف بـ”صور قيصر”، إن إنشاء المؤسسة هو قرار تاريخي ليس فقط لأنه بعد 12 سنة إنما أيضاً “هي هديتنا لمجتمع الضحايا بكل العالم وأصحاب الحق بأن المطالبات المستمرة من قبلهم ستؤتي ثمارها”، مضيفة “عند صدور القرار شعرنا لأول مرة أن حقوق الإنسان تتغلب على التسييس وتتجاوز عقبات الاصطفاف السياسي الموجود داخل الأمم المتحدة”.
ووصفت المشعان القرار الأممي بأنه ارتكز على الضحايا أنفسهم وجاء بجهودهم، موضحة أن دول أميركا اللاتينية التي مرت بتجارب مماثلة قد دعمت هذا القرار “لأنها تعرف أنه سيكون بداية لرحلة محاربة ظاهرة الإخفاء القسري في العالم كله”. وأبدت العضو في رابطة العائلات استعدادها للمرحلة المقبلة، معلقة “نعرف أن القرار في حد ذاته غير كاف إنما هو الخطوة الأساسية التي سنبدأ من خلالها رحلتنا نحو الحقيقة وكشف المصير”.
وحول الأرقام الحقيقية التي تعمل هذه الرابطة مع غيرها من المنظمات الحقوقية للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسراً في سوريا، تقول إن الإحصاءات لا تزال غير موحدة بين المؤسسات الحقوقية والتي تقوم بالتوثيق، لكن الأرقام تشير إلى أكثر من 100 ألف وقد تصل إلى ما يفوق 150 ألفاً، مفسرة ذلك بعدم قدرة هذه المؤسسات على الوصول إلى كل أهالي الضحايا.
وتابعت “هناك خوف لدى بعضهم من التوثيق بسبب وجودهم في مناطق النظام السوري”، واصفة إياه بأنه “المنتهك الأكبر وتقع عليه مسؤولية حماية الأشخاص من الإخفاء القسري من قبل باقي الأطراف أيضاً”. ونبهت إلى أن هذه الروابط والمؤسسات الحقوقية لا تملك أرقاماً دقيقة عن بقية المفقودين لدى الأطراف الأخرى في سوريا “إنما ما يعنينا أن هذه المؤسسة هدفها الكشف عن مصير جميع الأشخاص المفقودين لدى كل الأطراف من دون استثناء”.
خطوة أولى
في شمال شرقي سوريا أيضاً كان الترحيب على المستوى ذاته لدى رابطة “تآزر” للضحايا والتي تعمل أيضاً في جانب من نشاطها على كشف مصير المفقودين بهذه المنطقة، خصوصاً تلك التي تعرضت لعمليات عسكرية تركية. يقول المدير التنفيذي للرابطة عز الدين صالح، إن القرار الأممي يشكل خطوة أولى ضرورية في مسار طويل، وإنه من شأن هذه المؤسسة أن تعزز جهود أسر وروابط الضحايا من أجل كشف الحقيقة، والوصول إلى سلام شامل ومستدام في البلاد.
وذكر أنه من أجل أن تحقق هذه الآلية الأممية أكبر قدر ممكن من أهدافها ينبغي مشاركة الضحايا رسمياً في هيكل المؤسسة من خلال دور قيادي مؤسسي يتمتع بوظائف استشارية وإشرافية، متمسكاً بأن الحق في المشاركة هو شكل من أشكال الانتصاف للضحايا، “والذي يمكن أن يشكل في حد ذاته شكلاً من أشكال إعادة تأهيل الضحايا وتمكينهم، وأن يسهم في الشعور بالعدالة”.
ونوه صالح بالسياق السوري بشكل خاص، فقال “ندرك الدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه المشاركة الفعالة والهادفة للضحايا في معالجة المعاناة في جمع المعلومات والمستمرة منذ أكثر من 12 عاماً في ظل رفض الجناة تقديم المعلومات”.
المفقودون في تركيا
لجنة مهجري رأس العين الأهلية المشكلة من السكان النازحين عن مدينة رأس العين جراء عملية “نبع السلام” العسكرية التركية، رحبت بدورها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تشكيل مؤسسة دولية للكشف عن مصير المفقودين في سوريا.
ودعت اللجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عدم التراخي والتعامل بجدية وحيادية في هذا الملف الإنساني، “من دون تسييسه كما في السابق لإرضاء بعض الأطراف المتورطة في سفك الدماء”.
وطالبت بالضغط على تركيا على وجه الخصوص وأجهزتها الأمنية والعسكرية، للكشف عن مصير المفقودين والمعتقلين لديها، والعمل على إفساح المجال أمام المؤسسة الجديدة، لبيان مصيرهم والتهم الموجهة إليهم.
قلق الناشطين
وعلى الطرف الآخر من الناشطين الحقوقيين السوريين يقول المدير المؤسس للمركز السوري للعدالة والمساءلة من واشنطن محمد العبدالله في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، إن إنشاء آلية دولية خاصة بملف المعتقلين في الشأن السوري أمر مهم وتطور ليس بقليل ونرحب به، لكن بنفس المستوى لدينا قلق ومخاوف حول أن هذه الآلية لن تستطيع تحقيق مطالب الأهالي والعائلات بملف المفقودين والمخفيين قسراً في سوريا.
وعن أول ما يثير قلقهم أشار العبدالله إلى أن الآلية الأممية الجديدة تركز في عملها على مصير المفقودين والمخفيين قسراً لكنها لا تفتح الباب لأي تحرك تجاه المعتقلين حالياً، موضحاً أن من حق عائلات المفقودين المتوفين معرفة مصير أبنائهم وتسلم جثامينهم والإقرار بحالة الوفاة التي حصلت تحت التعذيب أو في السجون.
وتساءل في الوقت ذاته عن مصير المعتقلين حالياً “إذ إن ليس كل المعتقلين في السجون السورية متوفين، فهناك قسم منهم أحياء ورأينا ذلك من خلال العفو الرئاسي الأخير الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد بخروج أشخاص من سجن صيدنايا بعد 11 سنة من الاعتقال”.
وتابع “يشكل بقاء ملف المعتقلين بيد مكتب المبعوث الدولي الخاص بسوريا غير بيدرسون باعتباره جزءاً من قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وجعل تركيز الآلية الجديدة فقط على موضوع المخفيين قسراً مبعث القلق لديهم، فهذا التفصيل القانوني في عمل الآلية أمر سلبي من شأنه ألا يحل موضوع المعتقلين السياسيين في سوريا أو يعجل بالإفراج عنهم”.
ويرى الناشط السوري المقيم في الولايات المتحدة أن تاريخ النظام السوري مع آليات الأمم المتحدة سيئ وسلبي، فسبق له أن منع لجنة التحقيق الدولية المستقلة من الدخول إلى سوريا وكذلك الآلية الدولية المستقلة علاوة على منع لجان التحقيق لوكالة الأسلحة الكيماوية باستثناء المفتشين الدوليين الذين فرضوا على النظام عام 2013 غيرها، لذلك لا نتوقع من دمشق السماح لمثل هذه الآلية (كشف مصير المختفين) من الدخول إلى سوريا”.
نهايات مجهولة
مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة ذهب إلى أن عدم تمكن اللجنة الخاصة بكشف مصير المخفيين قسراً من دخول سوريا ومراكز الاحتجاز أو الحصول على بعض السجلات أو القوائم أو تعاون من قبل الحكومة السورية لن يساعدها في تقديم معلومات حقيقية لعائلات المخفيين، “باستثناء تجميعها معلومات حصل عليها المجتمع المدني السوري والمنظمات وإعادة إبرازها وتقديمها للعائلات، بالتالي هناك قلق من أن هذه الآلية لن تكون مجدية في تحقيق مطالب العائلات كما تأمل”.
العبدالله الذي بدا أكثر توجساً من غيره من الناشطين السوريين حيال نتائج عمل الآلية الأممية الجديدة، عبر عن أسفه حيال غياب أي تصور حول إلى أي مدى تستطيع الآلية فعله حال تم منعها من الدخول إلى سوريا باستثناء الإقامة في جنيف وإصدار بعض المعلومات العلنية للعائلات.
وختم حديثه “بالتالي هنا يعود سؤال العائلات هل نقبل بمثل هذه الإجابات التي أتت من المنظمات الحقوقية ومن تسريبات ومن منشقين وصور قيصر التي لم تأت بإطار رسمي أو تفاهم بين الأمم المتحدة والنظام السوري أم نرفضها؟ وفي حال رفضناها عدنا إلى المربع صفر ولا نستطيع الحصول على أي حل”، موضحاً أن عدم إدراج المعتقلين السياسيين وتوقع فشل الآلية أو منعها من الدخول إلى سوريا عقبتان رئيستان تواجهان أي حل حقيقي يمكن أن تجلبه هذه الآلية.
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com