السودان والمسرح الأكبر في أفريقيا


<p class="rteright">توالت تقارير عن تحرك لمجموعات سودانية ودارفورية شاركت في صراع ليبيا عبر الحدود الشمالية الغربية للسودان للالتحاق برفيقاتها في الداخل (رويترز)</p>
كتبنا في المقال السابق كيف لم تكن واشنطن، وبروكسل، وعواصم أخرى، مستعدة لما جرى ويجري في السودان، وكيف تفاجأت بحرب الجيشين الصاعقة وتمددها في أنحاء البلاد كافة، فالأحداث سبقت المعالجة الديبلوماسية، والاشتباكات توسعت في العاصمة، وانتقلت إلى أم درمان وإلى الأقاليم البعيدة في الشمال وكردفان ومناطق في بورتسودان ووصلت إلى دارفور الكبرى، ولا سيما إلى ولاية غرب دارفور والحدود مع تشاد وهي الأخطر، وإذ يمتد حريق الحرب العسكرية الأهلية داخل السودان، بدأت التحاليل والتنبؤات تتكاثر في الغرب، وفي واشنطن بخاصة حول ما أصفه بالمسرح الأكبر للصراع السوداني، ويضم أطرافاً دولية ودولاً إقليمية وتحديات جيوسياسية مقلقة بالنسبة للمنطقة العربية عامة، والشمال الأفريقي الأوسع من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي، وهذه لمحة عن مسارحها الممكنة.
صعوبة الحرب الداخلية
كما كتبت سابقاً، في الحروب الأهلية “المرقطة” حيث الطرفان متواجدن في بقاع البلاد كافة، وحيث لا مناطق سيطرة واسعة ومحددة، كما كان الوضع بين جنوب السودان وشماله، وبين شرقي ليبيا وغربها الآن، الأيام الأولى للقتال ترسم الخريطة العسكرية، فاذا حسم طرف المواجهة، انتهى الموضوع، وإذا سيطر كل طرف على مساحة جغرافية خالصة اللون، تنتقل الحرب إلى ستاتيكو متقطع، كما حصل في لبنان في الماضي، أو في سوريا واليمن في السنوات الماضية، أما في السودان، وبغض النظر عن تقدم الجيش في محاور عدة، إلا أن الحسم العسكري لم يحصل، والتوزع الميداني الجغرافي لم يقع بعد، لذلك وصفت المعادلة الميدانية بأنها “مرقطة”، أي أنها تتكون من بقع أمنية بشكل مربعات أو مثلثات متناثرة، وبالتالي، فإن لم يأتِ حسم عسكري أو حل ديبلوماسي “فالبقع” هذه سوف تسعى للتواصل بين بعضها البعض في حرب طويلة. في هكذا واقع، ينطلق سباق بين مبادرات سلام إقليمية ودولية لتثبيت وقف النار وإطلاق حوار سياسي، وبين تصعيد للسيطرة العسكرية وإقامة أمر واقع داخلي يصعب التغاضي عنه في أية محادثات، والذي يقلق واشنطن وبروكسل وإلى حد ما العواصم العربية في إقليم البحر الأحمر، هو التفلت الأمني الخارجي إذا فشلت المبادرات السياسية وتوسعت التداخلات الخارجية في أزمة السودان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الدومينو الإقليمي
إن اول نقطة احتمال تدخل من خارج السودان ظهرت عبر اشتباك وقع بين قوات جنوب السودان وقوات “الجنجويد” التي تقدمت من جمهورية أفريقيا الوسطى باتجاه جنوب كردفان داخل السودان لمساندة الميليشيا نفسها التي تحاول السيطرة على مدينة جنينة عاصمة محافظة غرب دارفور، كمدخل للتوسع في كامل الإقليم، إلا أن الجيش الجنوبي منعها من استكمال الاختراق، وبات الآن يحشد على الحدود مع الجمهورية الأفريقية، ولكن الأهم في الموضوع هو الحشد الميداني لقوات مجموعة “فاغنر” الخاصة داخل دولة أفريقيا الوسطى، وبالتالي إمكانية إقحام روسيا في صراع السودان عبر دعم “الجنجويد” وقوات الدعم السريع.
تطور آخر في شمال دارفور كشف عن تحرك لمجموعات من الميليشيات الإسلاموية من النيجر، ومن مالي باتجاه شمال دارفور لمساندة زميلاتها في الإقليم، وكذلك توالت تقارير عن تحرك لمجموعات سودانية ودارفورية شاركت في صراع ليبيا عبر الحدود الشمالية الغربية للسودان للالتحاق برفيقاتها في الداخل، ما قد يجلب طرفي ليبيا إلى الساحة، أما في منطقة قبائل النوبيين في شمال السودان، فالتقارير تفيد بأن “قوات محلية تنوي السيطرة على مطارات لجلب قوات خارجية”، وذلك بالطبع قد يدفع مصر “للاهتمام” بحدودها الجنوبية وجنوب دولة السودان أيضاً قد يجلب اهتماماً إثيوبيا و إريترياً في المناطق الحدودية إذا انقسمت القوات المسلحة أفقياً، إلا أن التدخلات لن تقتصر على الإقليم المحيط بالسودان، فهنالك العامل الدولي.
السباق الدولي
هذا البعد سيكون له اهتمام متصاعد مع الوقت، وسنخصص له مساحة أكبر تدريجياً، ولكن هذا تلخيصه: القوى العظمى الأولى التي تتطلع للاستفادة الاستراتيجية من الوضع في السودان هي بالطبع روسيا، وقد تدفع بمصالحها من كل المحاور. فقد تفاوضت موسكو مع القيادة العسكرية السودانية قبل الانقسام حول إقامة قاعدة بحرية (وجوية) في بورتسودان، وإن لم يتمّ الاتفاق بعد على القاعدة، فالكرملين لا يزال مصمماً على ذلك. في المقابل، البحرية الأميركية والفرنسية متواجدتان في جيبوتي، وقد تسعى واشنطن لمزاحمة موسكو على ساحل السودان. من ناحية ثانية، القوات الفرنسية لها قواعد في تشاد، أضف إلى ذلك أن للصين اهتماماً تجارياً ببورتسودان وقد تتشارك مع روسيا للتواجد معها على الساحل.
أما المحور الأكثر دقة فسيكون السباق الإيراني – الإسرائيلي في السودان. فإيران ستتواجد حيث قد تنتشر “فاغنر”، وهي مهتمة جداً في إيجاد نقاط ارتكاز على ساحل السودان أيضاً على مسافة وسطى بين باب المندب والسويس، وسيقابل ذلك تحرك إسرائيل لمنع طهران من بناء قواعد لها على الطريق البحري المؤدي لإيلات.
الوقت الضائع
الصورة الكبرى لاحتمال التداخلات الخارجية في السودان سترسمها الأسابيع والاشهر المقبلة، أما في هذا الوقت الضائع فالاتكال على مبادرات عربية لإيقاف الصراع، وعلى رأسها المبادرة السعودية، المطعمة بمبادرات رديفة، ولكن الوقت ليس عاملاً مساعداًن فعلى رغم أن الرياض قد نجحت في عملياتها البحرية لإنقاذ المدنيين الهاربين باتجاه جدة، فالمملكة نفسها غير متأكدة من تعاون كل المعنيين لإنقاذ السودان.
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com