العلاقات الروسية – اليابانية أمام منعطف "بندقية تشيخوف"


<p>تمثال نصفي لمؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين أمام الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في يوغنو كوريلسك في جزيرة كوناشير، وهي واحدة من أربع جزر تعرف باسم جزر الكوريل الجنوبية في روسيا والأراضي الشمالية في اليابان (رويترز)</p>

في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي صرح الأمين العام للحكومة اليابانية يوشيماسا هاياشي بأن طوكيو ستراقب من كثب الوضع فيما يتعلق بنية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة جزر الكوريل.

التصريح الياباني جاء بعد اجتماع بوتين مع رجال الأعمال في منطقة الشرق الأقصى الفيدرالية الروسية.

هل الماضي الجغرافي يموت أو لا يموت؟

يبدو انتقام الجغرافيا قائماً وقادماً في كثير من البقاع والأصقاع حول العالم، وجزر الكوريل واحدة من ساحات الخلافات الحدودية الممتدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى الساعة.

يتساءل المراقبون: من يجب عليه أن يقلق من الثاني؟ هل على طوكيو القلق من موسكو، لا سيما بعد أن أنهت اتفاقاً مع اليابان في شأن تسهيلات زيارة جزر الكوريل للمواطنين اليابانيين الذين كانوا يقيمون فيها سابقاً؟

ربما يكون ذلك كذلك، لا سيما بعد أن صرح بوتين في سبتمبر (أيلول) 2022، بأنه “يبدو أن روسيا ستحرم اليابان ليس فقط من الأمل في الكوريل، بل أيضاً من الاسم الثاني للبلاد “أرض طلوع الشمس”.

أما المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، فقال وقتها، “إن المفاوضات الروسية – اليابانية في شأن جزر الكوريل باتت من الماضي، ولن تستمر”.

أبعد من ذلك اعتبر بيسكوف أن “اليابان أصبحت دولة غير صديقة لروسيا، ومن الصعب للغاية التحدث عن مواصلة عمليات المفاوضات في شأن جزر الكوريل الأربع التي تعد جزءاً لا يتجزأ من روسيا”، لكن على الجانب الآخر تبدو الصحوة العسكرية اليابانية وخططها الجديدة للدفاع ومناداة البعض بحتمية امتلاكها الأسلحة النووية شأناً يزعج الكرملين وساكنه.

عطفاً على ذلك، فإن التحالف الياباني – الأميركي، واعتبار واشنطن أن طوكيو حليف استراتيجي، لا يقارن بأوكرانيا بالنسبة إلى العم سام، أمر تأخذه موسكو في جميع اعتباراتها بقوة، مما يطرح علامات استفهام حول قادم العلاقات بين اليابان وروسيا، وهل الماضي الذي شهد حرباً بين البلدين يمكن أن يتكرر مرة جديدة؟

كل تلك العوامل تجعل القيادة الروسية تستذكر مبدأ “بندقية تشيخوف” الذي يحمل اسم ألمع الكتاب الروس، صاحب القصص القصيرة والمسرحيات، فضلاً عن أربع روايات كلاسيكية، استخلص فيها درساً درامياً ثابتاً مفاده أن كل عنصر من عناصر الرواية لا بد أن يكون ضرورياً، وإلا وجب استبعاده، وترجمته العملية هي: عندما تشهر البندقية في أي منعطف سردي، فلا بد أن تطلق الرصاص في المنعطف التالي.

عن جزر الكوريل أول الأمر

من الواضح أن الخلاف بعيد وممتد إلى ما هو أبعد من زمن الحرب العالمية الثانية، ذلك أنه حتى عام 1855 كانت حدود روسيا خالية من جزر الكوريل اليابانية، لكن الوضع تغير بعد عام 1945، ذلك أن انكسار الإمبراطورية اليابانية، وانتصارات السوفيات مع دول المحور سهلت من قيام موسكو بضم تلك الجزر لسيادتها الإقليمية.

وتتكون جزر الكوريل من أربع جزر تقع بين شبه جزيرة كامشاتكا وجزيرة هوكايدو اليابانية. وتمتد هذه الجزر على صورة قوسين تفصل بحر أخوتسك عن المحيط الهادئ.

هل يعني ذلك أن موقع تلك الجزر استراتيجي بالنسبة لروسيا والتي تعرف تمام المعرفة الخطر الذي يمكن أن يمثله وجودها في المحيط الهادئ على المخططات الاستراتيجية الأميركية؟ هذا وارد بالطبع، وقد يهم الصين ربما بأكثر منها.

تمتد هذه الجزر على مسافة تقرب من 1200 كلم، وتبلغ مساحتها الكلية 10.5 كيلومتر مربع، ويبلغ مجموع السكان نحو 19 ألف نسمة.

وتقسم الجزر إلى جزر الكوريل الشمالية وجزر الكوريل الجنوبية. وتدخل جميع هذه الجزر ضمن مقاطعة ساخالين الروسية.

هل هناك عناصر أخرى غير الموقع الجغرافي تجعل من هذه الجزر ثمرة شهية لروسيا؟

نعم الأمر على هذا النحو بالفعل، إذ تتمتع هذه الجزر بثروات كبيرة من نفط وغاز ومعادن، إضافة إلى مخزونها الوفير من الثروة البحرية.

حاولت روسيا في وقت سابق التوصل إلى صيغة توافقية مع اليابان، تقضي بإعادة جزيرتين فقط من الجزر الأربع، غير أن اليابان رفضت وظلت تطالب بإرجاع الجزر كافة، وهو ما بات يبدو بعيداً جداً أخيراً، لا سيما في ضوء الإصرار الروسي على ملكيتها مرة وإلى الأبد.

تقع جميع الجزر تحت الإدارة الروسية، وتعرف في اليابان باسم “الأقاليم الشمالية” للبلاد، وعلى رغم أن محادثات روسية – يابانية استؤنفت عام 2018، في شأن إعادة توحيد الجزر مع اليابان، فإنه من المؤكد أنها أخفقت، وربما يتبع الإخفاق ما هو أكثر ضراوة من ذلك، لا سيما أن التاريخ بين البلدين يحتفظ بذكريات سلبية ومؤلمة تخص حرباً سابقة افتتح بها القرن الـ20 حروبه قبل أكثر من 120 سنة.

طوكيو – موسكو… وحرب الماضي الضروس

يكاد يكون الخوف من الآخر هو السبب الرئيس لانطلاق الحروب بين البشر، وهذا ما جرت به المقادير بين اليابانيين والروس.

يحدثنا المؤرخ الياباني كاواي أتسوشي عن خلفية ما جرى في الفترة التي عرفت باسم “عصر الميجي“، وتمتد من 1868- 1912 ميلادية، ففي ذلك الوقت ساد خوف من حدوث غزو روسي لليابان، فقد كانت روسيا في القرن الـ18 قد بدأت في توسيع حدودها الجنوبية لتأمين موانئ في المياه الدافئة، وأجبرت اليابان في السنوات الأخيرة من حكم النظام الشيوعي على الانفتاح على التجارة، حيث وقعت “معاهدة شيمودا” بين البلدين عام 1855 بعد أن أبرمت معاهدتين مماثلتين مع الولايات المتحدة وبريطانيا.

طوال نصف قرن ظلت المناوشات قائمة بين الجانبين، ووصل الأمر حد الحرب المباشرة في عام 1903، وفي فبراير (شباط) 1904 أعلنت اليابان الحرب على روسيا.

يقال إن الإمبراطور ميجي كاني عارض الحرب حتى إلى ما قبل بدايتها، حيث كان يقول إنه في حال هزيمة اليابان فهو لا يعرف كيف يمكنه الاعتذار من أسلافه أو ما يمكنه فعله من أجل الشعب. كان الإمبراطور والحكومة والقادة العسكريون يعلمون جميعاً أن اليابان لا تستطيع التغلب على روسيا في صراع مباشر.

مع أخذ ذلك في الاعتبار، خطط الجيش لضمان استمرار الحرب لمدة عام تقريباً، حيث يقوم الأسطول الياباني المشترك في البداية بنصب مكمن للأسطول الروسي في المحيط الهادئ وتدميره. وفي الوقت نفسه يضرب الجيش الياباني منطقة لياويانغ في منشوريا بكامل قوته قبل أن تتمكن روسيا من تركيز قواتها في الشرق الأقصى، وهذا من شأنه أن يستنزف بسرعة حماس الحكومة الروسية للقتال، ويؤدي إلى نهاية سريعة للقتال، وبعبارة أخرى، بدأت اليابان أعمالها العدائية مع خصم قوي مثل روسيا، دون أن تكون لديها فكرة واضحة عن احتمالات النصر.

هل كان انتصار اليابان على روسيا في هذه الحرب وبالاً عليها على المدى البعيد؟

غالب الظن أن تلك الحرب كانت لها نتائج تتجاوز حدود اليابان وروسيا، فقد أدى انتصار اليابان إلى نشر الخوف من “الخطر الأصفر”، في الغرب، والأهم المعارضة والمقاومة ضد الاستعمار وتقسيم العالم بين البيض والصفر.

كان “صن يات سين”، وماوتسي تونغ في الصين، وجواهر لال نهرو في الهند، وهوتشي منه في فيتنام، من بين الذين شجعتهم نتيجة الحرب، حيث حفزتهم لاحقاً على القيام بحركاتهم الثورية. كما حفزت الثورة الدستورية الفارسية في إيران والمقاومة ضد الحكم البريطاني في مصر.

اليابان والمطالبة بجزر الكوريل

هل يمكن لجزر الكوريل أن تدشن حقبة جديدة من الصراعات العسكرية بين موسكو وطوكيو؟

تؤكد اليابان تمسكها بجزر الكوريل، التي تخضع لسيطرة روسيا، وتصفها طوكيو بـ”المناطق الشمالية”، في إطار نزاع يعود تاريخه إلى نهاية الحرب العالمية الثانية.

ومن دلائل هذا التمسك، ما ورد في “الكتاب الأزرق الدبلوماسي لعام 2022″، الذي أصدرته وزارة الخارجية اليابانية من أن “الأراضي الشمالية هي جزر تخضع لسيادة اليابان، وجزء لا يتجزأ من أراضينا، وتخضع الآن لاحتلال غير قانوني من روسيا”.

في أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني يوسيمايا هاياشي السابق الإشارة إليه إن حكومة بلاده “تعد موقف روسيا في شأن الجزء الجنوبي من جزر الكوريل مغلق، غير عادل وغير مقبول”. وأضاف “لم يتم حل مسألة الأراضي بين اليابان وروسيا، لذلك أجرينا مفاوضات حول معاهدة السلام”، معبراً عن اعتقاده أن “سبب وقف المشاورات بهذا الشأن يعود إلى تصرفات موسكو تجاه كييف وليس إلى العقوبات المناهضة لروسيا”.

هل العقوبات ضد روسيا التي شاركت وتشارك فيها اليابان هي السبب الرئيس في تعقد مشهد جزر الكوريل؟

يبدو أن هذا ما يلمح إليه هاياشي، والذي يعتبر أنه بعد شهر من بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا “أعلنت روسيا من جانب واحد أنها لا تنوي مواصلة المفاوضات حول معاهدة السلام مع اليابان بسبب العقوبات اليابانية المفروضة على روسيا”، مضيفاً “نعتبر مفاوضات روسيا التي تحاول تحويل المسؤولية إلى اليابان، غير عادلة، وأن العلاقات الثنائية بين البلدين تبدو في حالة صعبة، ولا يمكن قبول أي شيء ملموس يتعلق بالمشاركات في شأن معاهدة السلام”.

لم يطل انتظار الرد الروسي، الذي جاء بعد بضعة أيام على لسان الرئيس السابق، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الحالي ديمتري ميدفيديف الذي قطع بأن جزر الكوريل جزء من روسيا، وأنه لا يبالي بمشاعر اليابانيين.

ميدفيديف وعلى موقع “إكس” كتب ما نصه “لا أحد يعارض معاهدة السلام على أساس أن (المسألة الإقليمية) مغلقة نهائياً وفقاً للدستور الروسي”، والمعلوم أنه في عام 2020 تم تعديل الدستور الروسي لمنع وحظر التنازل عن الأراضي إلى قوة أجنبية. وقال أيضاً إن بلاده مستعدة، كما حدث من قبل، للتفاوض على معاهدة سلام إذا لم تشمل المحادثات قضية الجزر.

لم توقع روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي، مع اليابان حتى الساعة على معاهدة سلام تنهي رسميا الأعمال العدائية بينهما المتبقية من زمن الحرب العالمية الثانية، ومن هنا يطفو على السطح تساؤل جدي وجزري: هل جزر الكوريل فقط هي حجر العثرة في طريق معاهدة سلام تنهي أحقاد الماضي، أم أن هناك عوامل أخرى فاعلة ومؤثرة في سياق العلاقات الثنائية بين البلدين تعقد من المشهد في الحال وتزيد الطين بلة؟

مناورات عسكرية ومشاعر عدائية

بعد أقل من عام من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبالتحديد في يناير 2023، أعلنت روسيا أنها لن تجري المحادثات السنوية مع اليابان في شأن تجديد اتفاق يتيح للصيادين اليابانيين العمل قرب الجزر المتنازع عليها بين الجانبين.

منطلق الفعل الروسي هو أن اليابان تقوم بإجراءات معادية لروسيا، وهو ما أشارت إليه وكالة الإعلام الروسية نقلاً عن وزارة الخارجية، وفيه “أنه في سياق الإجراءات المعادية التي تتخذها اليابان تجاه روسيا، فقد أبلغ الجانب الروسي طوكيو بأنه لا يمكنه الموافقة على عقد المشاورات بين الحكومتين في شأن تنفيذ هذا الاتفاق”.

ما الذي فعلته اليابان بالفعل ودفع الروس إلى هذا الموقف العدائي؟

المعروف أن اليابان، والتي هي حليف للولايات المتحدة، فرضت عقوبات على عشرات الأفراد والمنظمات الروسية بعد وقت قصير من بدء الحرب الأوكرانية، مما فسرته موسكو بأنه نوع من أنواع العداء الظاهر ضدها في صراعها مع أوكرانيا.

وبحلول شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان المشهد بين طوكيو وموسكو يتأزم يوماً تلو الآخر، لا سيما بعد أن حذرت الخارجية الروسية طوكيو من أي محاولات جديدة للتصعيد. وأكدت أن رد روسيا سيكون حازماً وله وقع كبير على اليابان.

وزارة الخارجية الروسية وفي بيان لها أكدت أنه “منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022، تنتهج الحكومة اليابانية مساراً عدائياً صريحاً تجاه روسيا، حيث تضاعف طوكيو عقوباتها وتؤجج المشاعر المعادية لروسيا في المجتمع الياباني، فيما يزداد النشاط العسكري للولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي على حدود روسيا الشرقية، بما في ذلك إجراء التدريبات على استخدام الأسلحة النووية”.

وبحلول ديسمبر (كانون الأول) من عام نفسه، أي بعد شهرين فقط، كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا تحذر طوكيو من أن تحرك اليابان لتزويد أوكرانيا بأنظمة “باتريوت” للدفاع الجوي سيكون له “عواقب وخيمة”، على العلاقات الروسية – اليابانية.

على أن المفتاح الحقيقي لفهم أبعاد الخلاف المتصاعد بين طوكيو وموسكو يمكن أن نجده في كلمات زاخاروفا، “الجانب الياباني يفقد السيطرة على الأسلحة التي يمكن لواشنطن الآن أن تفعل بها ما تريد”.

تبدو الشكوك الروسية أقرب إلى اليقين من أن صواريخ “باتريوت” الأميركية تجد طريقها إلى أوكرانيا من خلال اليابان، مثل هذا السيناريو تعتبره موسكو عملاً عدائياً بكل وضوح، وسيؤدي بحسب زاخاروفا إلى عواقب وخيمة على اليابان في سياق العلاقات الثنائية.

كيف أدرك الروس قصة “باتريوت”؟

حدث ذلك بعد أن أعلنت طوكيو أنها تستعد لشحن صواريخ “باتريوت” للدفاع الجوي إلى الولايات المتحدة بعد تغيير في الإرشادات الخاصة بتصدير الأسلحة، وذلك في أول تعديل كبير تجريه طوكيو للقيود التي تفرضها على تصدير الأسلحة فيما يقارب تسع سنوات.

هل يمكن لأوكرانيا بالفعل أن تستفيد من هذا الإجراء الياباني؟

غالب الظن أن ذلك كذلك على رغم أن الضوابط الجديدة على التصدير لا تزال تمنع اليابان من شحن الأسلحة إلى الدول التي تخوض حروباً، فقد تستفيد منها أوكرانيا بصورة غير مباشرة في حربها ضد روسيا لأنها تعزز قدرة واشنطن على تقديم المساعدة العسكرية لكييف.

لاحقاً، بدا أن المشهد الروسي – الياباني يزداد تعقيداً، لا سيما بعد أن أبلغت وزارة الخارجية الروسية احتجاجها للسفارة اليابانية لدى موسكو على خلفية المناورات اليابانية – الأميركية قرب الحدود الروسية.

قدم الروس في الثاني من أكتوبر احتجاجاً شديد اللهجة للسفارة اليابانية لدى موسكو، معترضين على إجراء مناورات عسكرية يابانية – أميركية واسعة النطاق في جزيرة هوكايدو، على مقربة من حدود روسيا الاتحادية، إضافة إلى خطط لتنفيذ عدد من المناورات المماثلة في نهاية أكتوبر وديسمبر الماضيين.

هل باتت عسكرة المشهد الياباني هي ما يزعج روسيا، أم التحالف الياباني – الأميركي الذي انضمت إليه كوريا الجنوبية أخيراً؟

عسكرة اليابان ومخاوف الروس

تبدو مسألة التيارات اليمينية المتصاعد في اليابان، والدعوة إلى تغيير الدستور المقيد بالشروط الأميركية، وفي مقدمها عدم تكوين جيش قوي، ناهيك بحيازة أسلحة نووية، أمراً مثيراً، وربما مزعجاً للروس بصورة مؤكدة وحتمية.

ويعتبر الروس أن تبني اليابانيين استراتيجية دفاعية جديدة، يعني أن اليابان على طريق حشد غير مسبوق للقوة العسكرية، ولهذا انطلقت طوكيو محذرة من أن عودة اليابان إلى ما سمته “العسكرة الجامحة”، سيثير حتماً تحديات أمنية جديدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

تخشى موسكو من مضي طوكيو في خطوات أبعد، وهذا ما أشارت إليه زاخاروفا أكثر من مرة بقولها، “إن حكومة فوميو كيشيدا مستعدة للذهاب إلى أبعد بكثير من الخطط المعلنة، والاندماج بإحكام في الألعاب الجيوسياسية الأميركية”، بحسب وصفها.

بدت السياسة الدفاعية اليابانية الجديدة واضحة بصورة كبيرة في ديسمبر 2022 عندما أعلن عن موازنة دفاع تتضمن 320 مليار دولار لتقوية القدرات العسكرية، والتزود بصواريخ قادرة على ضرب الصين.

ويظهر العداء الياباني للصين أكثر من نظيره الروسي، إذ تصف وثيقة السياسة الدفاعية الجديدة للجارة الصين بالتحدي الاستراتيجي غير المسبوق، كما تصف روسيا بمصدر قلق للأمن القومي الياباني.

وتتضمن التعديلات الجديدة حق القوات اليابانية بشن “ضربات مضادة” على دول تعدها معادية، وفقا لـ3 شروط هي أن يكون التهديد حتمياً لليابان، أو لدولة صديقة، وألا توجد وسيلة أخرى لتفادي الضربات، وأن يكون الرد بالحد الأدنى الممكن.

كما تنص التعديلات على مضاعفة موازنة الدفاع خلال السنوات الخمس المقبلة لتشكل اثنين في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، متجاوزة بذلك نسبة واحد في المئة، وهو سقف الإنفاق الدفاعي الذي اعتمدته اليابان منذ عام 1976.

يفهم الروس جيداً أن اليابانيين بمثل هذه الاستراتيجية ينهون عقوداً من تبني سياسة التعايش السلمي، والتزام عدم امتلاك قوة عسكرية، وهي السياسة التي تقول موسكو إنها تسببت في الماضي وخلال الحرب العالمية الثانية، في دمار شديد للعالم.

هل يخشى الروس من تحالفات يابانية جديدة، ما يجعل من نقطة جزر الكوريل مجرد منطلق لمواجهات عسكرية محتملة؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التحالف مع واشنطن والتحديات المشتركة

خلال زيارته طوكيو في يونيو (حزيران) الماضي، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن الولايات المتحدة واليابان تعملان على تحديث تحالفهما العسكري في مواجهة تهديدات الصين وكوريا الشمالية وروسيا.

قبل لقاء أوستن مع نظيره الياباني ياسوكازو هامادا أشار إلى أن بلديهما يواجهان “تحديات مشتركة مرتبطة بالسلوك القسري للصين والاستفزازات الخطرة لكوريا الشمالية والحرب الوحشية التي اختارتها روسيا في أوكرانيا”. وأضاف “لكننا متحدون بمصالحنا وقيمنا المشتركة ونتخذ خطوات مهمة لتحديث تحالفنا وتعزيز ردعنا”.

لاحقاً، وفي شهر أغسطس (آب) كانت العاصمة الأميركية تستقبل رئيس الوزراء الياباني ورئيس كوريا الجنوبية في منتجع كامب ديفيد قرب واشنطن في إطار قمة تاريخية، توقع لها الجميع أن تفضي إلى تعزيز التعاون العسكري في مواجهة كوريا الشمالية والصين.

هنا طفا على السطح تساؤل استراتيجي: هل تصبح اليابان أساس تحالف عسكري جديد ضد روسيا؟

حكماً، تبقى اليابان الضلع الثالث في الرأسمالية العالمية، وتحالفها مع واشنطن يترسخ يوماً تلو الآخر، لا سيما في منطقة المحيط الهادئ، حيث الصراع الأميركي – الصيني المؤكد والمعزز يوماً تلو يوم، ومن هنا وعبر قراءة واضحة تبدو اليابان نقطة انطلاق عسكرية مؤكدة للولايات المتحدة، أو بمعنى أدق لحلف “الناتو” برمته بقيادة واشنطن… هل يعني ذلك أن اليابان باتت في الوقت الحاضر نقطة مستهدفة من العسكرية الروسية الساحقة الماحقة؟

تطورات عسكرية تنذر بالخطر

يبدو المشهد الروسي – الياباني وكأنه مدفوع بدافع قسري لجهة المواجهة العسكرية، لا سيما بعد أن أعلنت موسكو نشر صواريخ “باستيون” في جزيرة “باراموشير”، إحدى جزر الكوريل، وبعد أن أعلنت موسكو أن فرقاطات أسطول المحيط الهادئ ستراقب الوضع على مدار الساعة للسيطرة على المياه المجاورة ومناطق المضيق.

وفق الباحث الروسي رازفوجيف ألكسندر فإن صواريخ “باستيون” يصل مداها إلى 500 كيلومتر، ومهمتها الرئيسة هي تدمير السفن الحربية التي تتحرك على سطح البحر في مدى يتجاوز 300 كيلومتر، ويمكنها تدمير حاملات الطائرات وسفن الإنزال وفي بعض الأحيان يمكن استخدامها ضد أهداف برية.

هل يعني ذلك أن بحر اليابان دخل ضمن بنك الأهداف الروسية؟

في مارس (آذار) 2023 ارتبكت طوكيو إلى حد الذعر بعد موجة جديدة من موجات التوتر والتصعيد مع موسكو في بحر اليابان، إثر إعلان وزارة الدفاع الروسية إطلاق أسطولها البحري في المحيط الهادئ صواريخ “كروز” من طراز “موسكيت” على هدف وهمي.

التجربة التي استخدم فيها صاروخ “كروز” أسرع من الصوت جاءت بعد أسبوع من تحليق قاذفتين استراتيجيتين روسيتين قادرتين على حمل رؤوس نووية فوق بحر اليابان لأكثر من سبع سنوات.

هل هي “بندقية تشيخوف” التي ستنطلق من موسكو إلى طوكيو عما قريب؟

subtitle:
جزر الكوريل تؤجج التوتر بين البلدين مع تطوير طوكيو استراتيجيتها الدفاعية وانخراطها في العقوبات الغربية ضد موسكو على خلفية الحرب الأوكرانية
publication date:
السبت, فبراير 10, 2024 – 12:30

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com

Recent Posts

اختلاف لون اللهب من الصواريخ الإيرانية: ماذا تخفي الألوان في سماء المواجهة؟

أثارت المشاهد المصوّرة لانطلاق الصواريخ الإيرانية، ليلة أمس، موجة من التساؤلات حول الاختلاف اللافت في…

يومين ago

سقوط إيران: هل هو “نصر” فعلاً أم بداية لانهيار إقليمي شامل؟

في خضم الأحداث المتسارعة التي تعصف بمنطقة غرب آسيا، يخرج البعض مبتهجًا بأي ضربة تتلقاها…

4 أيام ago

ترامب محذرًا إيران: الهجمات المخطط لها “أكثر عدوانية”.. والسلاح الأمريكي في طريقه لإسرائيل

علق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على العدوان الإسرائيلي على إيران، وقال إنه حان الوقت لإنهاء…

5 أيام ago

إسرائيل “على أهبة الاستعداد” لضرب إيران.. وترامب: “سترون”

تلقى مسؤولون أميركيون معلومات تفيد أن إسرائيل "على أهبة الاستعداد" لشن عملية عسكرية ضد إيران،…

7 أيام ago

إيران تعلن توجيه “أكبر ضربة استخبارية في التاريخ” ضد إسرائيل

أعلن إعلام إيراني رسمي، اليوم السبت، نقلا عن مصادر مطلعة، بأن جهاز الاستخبارات الإيرانية، شن…

أسبوعين ago

الزرارية تحتضن المعرض الجامعي الأكاديمي الأول في مؤسسة سعيد وسعدى فخري الإنمائية

نظمت "مؤسسة سعيد وسعدى فخري" الانمائية في بلدة الزرارية " المعرض الجامعي الاكاديمي الاول "…

3 أسابيع ago