أخبار محلية

بازار مفتوح للمنصّات التعليمية: تجارة في الإمتحانات الرسمية!

كتب فؤاد بزي في صحيفة “الأخبار”:

لا إحصاء رسمياً لعدد المنصات التعليميّة التي تستخدم «التعليم من بعد» في لبنان، وتتنافس على جذب التلامذة، وسلاحها الترويجي الأمضى «تطابق نماذج أسئلتها مع بعض أسئلة الامتحان الرسمي». وهي جميعاً خارج أيّ رقابة، وتدير أعمالاً تجارية بحتاً، إذ إن «تكلفة الاشتراك» تبدأ بـ20 دولاراً سنوياً، وتصل في إحداها إلى 150 دولاراً. فيما هناك تطبيقات تسعّر الحصّة بـ 45 دولاراً. الحديث هنا، إذاً، عن «بيزنس» بملايين الدولارات، إذا ما علمنا أن أشهر المنصات ضمّت 15 ألف تلميذ مشترك للعام الدراسي الحالي، وبلغ عدد مشتركيها التراكمي في السنوات الثلاث الماضية 40 ألفاً.

«زيادة عدد المشتركين» هي القاعدة الأساسية التي تحكم عمل المنصات، ولتحقيق ذلك لا تتوانى عن «الضرب تحت الحزام»، فتسعى إلى استقطاب أساتذة من أعضاء لجان الامتحانات الرسمية، ويضغط بعضها لإدراج أسئلتها ضمن الترشيحات المحتملة للامتحان الرّسمي للوصول إلى تطابق بين أسئلة الامتحانات وأسئلتها. «أسئلتنا طُرحت في الامتحان الرّسمي»، يقول منشور على إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لمنصة تعليمية، بعد امتحان الكيمياء لشهادة علوم الحياة، مؤكّداً «أنّ التلامذة يتكلّمون عن الأسئلة المكرّرة، والمعروفة من النماذج الخاصة بالمنصة»، ما يطرح تساؤلات عن مدى عدالة الامتحان لمن لم يشترك في هذه المنصات.

في وقت لاحق، تقوم هذه الصفحات أو المنصات باستخدام هذا الرصيد لتجميع المشتركين من التلامذة للعام المقبل، أو حتى للدورة الاستثنائية. ويعمد بعضها إلى «الحشو التعليمي، فتطعّم أسئلتها بأجزاء صعبة وغريبة، وملغاة من المناهج، ما يجعل التلامذة يركضون صوبها، على غير هدى». وهذا أكثر ما يرهق الأساتذة، فالتلامذة فقدوا الثقة تماماً بالمعلومات المدرسيّة، ويسعون لتحصيل أيّ معرفة إضافية، ما يوقعهم في شرك المنصات.

«لا شيء بريئاً في هذه البلاد»، يقول أحد الأساتذة، واصفاً ما قامت به المنصّات التعليميّة قبل وخلال الامتحانات الرّسمية الأخيرة بـ«تجارة الامتحانات». ويسأل: «لماذا تضمّنت الامتحانات الرّسمية أسئلة واردة في نماذج المنصات التعليميّة؟ ومن يراقب عمل المنصات التعليمية؟ أين المركز التربوي للبحوث من طرح نماذج أسئلة للمناهج المقلّصة، علماً أنّ هذا الشّكل من المنهاج لم يُعتمد سوى في العامين الماضيين؟».

جائحة كورونا كانت الصّافرة الأولى لعشرات المواقع التعليميّة. منها ما استمرّ، وتحوّل مع الوقت من «العمل الفردي إلى العمل التجاري المنظّم» غير المحكوم بأنظمة وقوانين، ويلعب في السّاحة الأخطر، ومع العناصر الأضعف والأكثر تأثراً، أي التلامذة.
«لم تقدّم المنصّات للتلامذة أكثر من إعادة إنتاج رقمية لحصة صفيّة أو للكتاب الورقي»، بحسب الباحث في مركز الدراسات اللبنانية نعمه نعمه، ما جعل هذه المنصّات «عاملاً مساعداً إلى جانب المدرسة، لا بديلاً منها». ويصف الباحث التربوي موسى سويدان معظم المنصّات التعليميّة بـ«الشركات التي تعطي دروساً، هدفها الوحيد تجاري، لا أحد يعترف بها، ولا قانون ينظّم عملها في لبنان، كون الدولة لا تعترف بأصل التعليم من بعد».
«لسنا ضد المنصات التعليميّة على الإنترنت، فهي توفّر سبيلاً للتلامذة لتحصيل أكبر»، وفقاً لأحد الأساتذة. ولكنْ، للمنصات هدف تجاري أكبر من التعليمي، و«هذا حقهم، فهم يعملون في التجارة، لا التربية». إلا أنّه من «غير المقبول تحويل التعليم إلى سوق». المنصة حلّت مكان الأستاذ، والحاجة إلى المعلومة السّريعة، علماً أنّها تلغي كلّ المهارات التعليميّة الأخرى. كما أن الجامعات تشكو منها أيضاً، إذ تقدّم المعلومات للطلاب على شكل «وجبات سريعة، تؤدّي مهمة النجاح فقط، من دون اكتساب أيّ مهارة».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى