أخبار محلية

تهافت قضائي على التوزير… و”تسكّع” عند المرجعيات

تسود أجواء #السلك القضائي موجة من التساؤلات واستغراب لسعي الكثيرين من القضاة نحو رؤساء الاحزاب والكتل النيابية للفوز بمقعد وزاري وإطلاقهم الوعود بتأدية فروض الولاء والطاعة لهم في مشهد لا يُعثر عليه في بلدان العالم الأول والثالث، بل الحادي عشر شأن موقع #لبنان.

وفي فرنسا التي استمد لبنان فصولا كبيرة من دستورها يندر وصول قضاة إلى السلطة التنفيذية احتراماً لمبدأ #فصل السلطات فيها وعدم تعاطي القاضي في السياسة وتقرّبه من مراجعها، وليس من هموم القضاة الفرنسيين أن يصبحوا وزراء. في لبنان كان الطقس نفسه يمارسه القضاة إلى ان تبدلت المعايير والموازين في بلد العجائب، وإذا حل قضاة في الوزارات في السابق كانوا يصلون بمؤهلاتهم وليس برضا الزعيم والحصول على تأشيرة منه تخوله الدخول إلى الجنة الحكومية.

وتختار مجموعة من القضاة العمل السياسي والترشح للانتخابات على غرار ما فعله نائب بيروت سابقا عثمان الدنا.

وعندما عُين رئيس مجلس القضاء الاعلى يوسف جبران وزيرا للعدل والاعلام في العام 1979 في حكومة الرئيس سليم الحص، فوجىء الجسم القضائي بتوزيره، ليس انتقاصاً من كفاءاته بل من باب ان القضاة أرفع من المناصب في السلطة التنفيذية. ويقول معاصروه انه تلقّى التهاني ببرودة من زملاء له واكبوا مسيرته القضائية الطويلة، وهو الذي رفع شعار “القاضي يصدر قرارات ولا يؤدي خدمات”.

وكانت نخبة من رجال القضاء وصلوا إلى مراكز وزارية بعدما قدموا استقالاتهم من أمثال: إلياس سركيس، فؤاد بطرس، كاظم الخليل وجدي الملاط وغيرهم. وبعد الطائف وُزِّر قضاة استقالوا من السلك مثل خالد قباني وعدنان عضوم وجوزف شاوول وسليمان طرابلسي والبر سرحان… وتسلم اكثرهم حقيبة العدل لطبيعة اختصاصهم.

في التشكيلات الوزارية المتداولة جرى طرح اسم أكثر من قاضٍ للدخول إلى الحكومة والفوز بلقب “صاحب المعالي” الذي جرى التقليل من قيمته المعنوية بسبب وصول الكثيرين إلى هذه المواقع في أكثر من حكومة وهم لا يستحقونها في الأساس. ويبقى الاخطر من ذلك ان قضاة يُعرفون بمدى علاقاتهم مع اصحاب المصارف يتم العمل على توزيرهم. وفي المناسبة حصل بعضهم على قروض سكنية بفوائد زهيدة من جراء الخدمات التي يقدمونها والوعود التي يطلقونها لأباطرة اصحاب المصارف واعضاء مجالسها الادارية التي تضم نوابا. وثمة قضاة في اعمار صغيرة يجرى البحث في امكان توزيرهم هذه المرة من دون التدقيق في الشغور الذي سيخلّفونه في مواقعهم مع طرح سؤال: كيف سيعودون إلى العدلية عند استقالة الحكومة وانتهاء مهمتها؟ في اختصار يوجد “إغواء قضائي” يمارسه عدد لا بأس به من أهل السلك لدى المراجع والنافذين في حلقاتهم.

ويخشى من وصول القاضي الذي يصبح وزيرا أنه خلال قيامه بوظيفته القضائية سيعمل على مراعاة السياسيين وكسب رضاهم عليه وبأي وجه سيعود إلى السلك وكيفية تعاطيه مع مرؤوسيه والمتقاضين أمامه.

ولم تأتِ من فراغ اشارة الرئيس نبيه بري إلى الامام الأوزاعي الذي قال “ان على القاضي ان لا يميل بنظره لأحد من المتداعين او المتقاضين عن الآخر”.

وفي المناسبة وفي البلدان المتحضرة -بعيدا عنا- يُلزم كبار القضاة بالتقيد بمهلة معينة قبل أن يحصل على اي منصب. ويجب ألا يأخذ القاضي من وظيفته القضائية منطلقاً او مطية لتولي مراكز سياسية في السلطة التنفيذية. ولا مانع هنا عند القاضي الذي يتملكه طموح العمل في السياسة ان يقدم استقالته ويختار العمل في صفوف الحزب الذي يريده. وورد في قانون الانتخاب الساري في المادة 8 (عدم الاهلية للترشح)، أنه لا يجوز لاعضاء المجلس الدستوري والقضاة على مختلف فئاتهم ودرجاتهم ان يترشحوا للانتخابات إلا بعد تقديم استقالاتهم ومرور سنتين على انقطاعهم فعلياً عن وظائفهم. ويبقى من خطورة ان يصبح القاضي وزيراً من الناحية المبدئية انها تنعكس سلباً على فصل السلطات بين القضاء وتميزه عن السلطة الاجرائية. وهذا يعني ان القاضي يصبح موظفاً عند السياسي وسيصدر احكامه ويراعي المصالح المذهبية والطائفية والسياسية التي تناسب الفريق الذي سمّاه وانتمى اليه. وتدحرجت هذه السبحة عندما أخذ قضاة مراكز في الدولة وأصبحوا محافظين ومديرين عامين وتولّي رئاسة التفتيش المركزي.

وأمام مشهد توزير القضاة لا يمكن النظر بعين واحدة فحسب، لأن من حسنات ان يصبح القاضي وزيرا إذا تم اختيار قضاة مستقلين ومنزهين ومستقيمين ويحكّمون ضمائرهم ليشكلوا ضمانة في عملهم ويكونوا من المجردين في وزاراتهم ويملكون الحيلة المطلوبة ليحكموا من دون أن يكونوا ازلاما عند اي مرجع او رئيس حزب. ويبقى الهدف الأسمى عند كثير من القضاة الذين يحالون على التقاعد ان يكونوا اعضاء في المجلس الدستوري.

في اتصال مع وزير العدل سابقا ابرهيم نجار يقول انه يفضل ان يبقى القاضي في موقعه، وان “لا يتسكع على أرصفة السياسيين”، لأن حصول هذا الامر لا يليق بالقاضي ولا بالنظام الذي يطبق فصل السلطات. ويخشى من اتساع هذه الظاهرة. “انا ضد القاضي ان يصبح وزيرا مئة في المئة”. ويؤيد فصل النيابة عن الوزارة وفصل الوزارة عن السلك القضائي. “انا مع فصل كامل للسلطات وان يحترم القضاة أنفسهم ويحكموا باسم الشعب اللبناني من دون مراعاة السياسيين على الاطلاق”.

ويبقى من سيئات بعض القضاة ارتباطهم بجهات سياسية ومع رؤساء طوائفهم. ومن أخطر الوقائع التي حصلت قبل سنوات قيام قاضٍ أحيل على التفتيش القضائي، بالاستنجاد بزعيم طائفته ومرجعه السياسي. ولم يكتفِ بذلك بل قدم خدمات في دارة هذا المرجع!

رضوان عقيل
Radwan.aakil@annahar.com.lb

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى