طوابير البحث عن "الذهب الأسود" في فرنسا تزداد طولا

أعلنت “توتال إنرجي” عن استعدادها لبدء المفاوضات حول رفع الأجور ابتداء من شهر أكتوبر (تشرين الأول)، فهل سيساعد هذا الأمر في حل أزمة المحروقات التي تعاني منها فرنسا منذ أكثر منذ أيام؟

إحباط

وكان الوضع محبطاً للمواطن الفرنسي، الأحد التاسع من أكتوبر، إذ بلغت نسبة محطات المحروقات التي تواجه صعوبات في التزود، محطة من بين ثلاث وواحدة من اثنتين في المناطق الأكثر تأثراً بالأزمة.

وذكرت الحكومة الفرنسية، قبل أيام عدة، أنها ستؤمن المحروقات من المخزون الاستراتيجي في شمال البلاد، وطالبت باستخدام وسائل النقل المشترك، والعمل من المنزل في حال كان ذلك ممكناً.

اشتداد الأزمة

واشتدت الأزمة، الأحد، لتطال معظم المناطق حيث أمضى كثيرون يوم عطلتهم بالبحث عن “الذهب الأسود”، وامتدت الطوابير أمام المحطات وأرغم البعض على الانتظار ساعات طويلة بلا نتيجة في بعض الأحيان. وحتى أن بعض المحطات لم يعد لديها سوى صنف واحد من البنزين، ولا يمكن للزبائن معرفة ذلك إلا لدى وصولهم إلى آلة الضخ، ما يعني أنه يكون قد أمضى ساعات طويلة بالانتظار ليعود بخفي حنين (خائب الأمل).

كما منع على المواطنين، منذ أيام، تعبئة الغالونات، أو حاويات إضافية، وتم تحديد الكمية لكل سيارة بمعدل 30 يورو (حوالى 29.1 دولار)، وهي كمية غير كافية بخاصة بالنسبة للذين هم بأمس الحاجة إلى مركباتهم للتنقل للعمل، أو إيصال الأطفال الى المدارس. فبعض المناطق تفتقر إلى النقل المدرسي، وكذلك لأصحاب بعض المهن، كسائق التاكسي، وعمال خدمة التوصيل.

طوابير انتظار

وبدأ المواطن الفرنسي يبحث عن أي طريقة للحصول على أكبر كمية من البنزين، كأن يحصل عل الكمية المسموح بها ثم يعاود الانتظار في الطابور للحصول على كمية أخرى، والبعض الآخر آثر أن يكون أكثر تمدناً لترك الفرصة أمام الآخرين. ومن قصد النورماندي (شمال غربي فرنسا)، في نهاية عطلة الأسبوع، كان أكثر حظاً، حيث الكمية متوفرة وهي أبخس ثمناً، وقد ارتفعت الأسعار بنسبة 30 بالمئة في بعض المحطات.

مخاوف

وحاولت الحكومة تبديد المخاوف من انقطاع المحروقات وأعلنت أنها ستلجأ للاحتياطي الاستراتيجي في الشمال، يوم الجمعة، وكررت طمأنة المواطنين بأن لا داعي للهلع وأن كميات الوقود متوفرة.

والسبب المباشر لهذه الأزمة هو إضراب العمال في عدد من محطات التكرير، مطالبين “توتال إنرجي”، التي حققت “أرباحاً طائلة في المدة الأخيرة” بزيادة الأجور بنسبة 10 بالمئة وبتوزيع الأرباح.

ودعت الحكومة الطرفين إلى التحلي بالمسؤولية، وإيجاد حل سريع للإضراب. لكن المفاوضات بقيت متعثرة، حتى مساء الأحد، حسبما أعلن إريك سيللين المسؤول في نقابة العمال “سي جي تي” في “توتال إنرجي” لإذاعة “أوروبا 1” موضحاً أن “الإدارة لم تستجب، والعمال مصممون على إضرابهم ما يعني أن الحال قد تبقى على هذا النحو لوقت طويل”.

أرباح طائلة

وحققت “توتال إنرجي” أرباحاً طائلة بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، بلغت 53،7 مليار يورو (حوالى 52.089 مليار دولار)، عن الفصل الثاني لهذا العام.

وأثارت هذه الأرباح الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط الامتعاض والانتقادات، واستخدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة “السبع”، في يوليو (تموز) الماضي، تعبير “المستفيدين من الحرب”، وطالب حزب المعارضة “فرنسا الأبية” بدفع ضريبة استثنائية عندما تحقق الشركات الكبرى أرباحاً استثنائية، لكن الحكومة فضلت أن تكون المبادرة تلقائية.

وستستمر هذه الأزمة في حال عدم التوصل إلى اتفاق بين الإدارة والعمال، ما يذكر بـ “السترات الصفراء”، لا سيما أن الأوضاع الاجتماعية زادت سوءاً بسبب جائحة كورونا، والأسباب التي أدت إلى تظاهرات “السترات الصفراء” زادت حدة.

ويأخذ المدافعون عن البيئة على “توتال إنرجي” أنها تستثمر بمشاريع تضرّ بالبيئة على غرار خط الأنابيب المثير للجدل في شرق أفريقيا.

الاحتياط الاستراتيجي

وأعلنت رئيسة وزراء فرنسا إليزابيت بورن التي تزور الجزائر مع نصف حكومتها، أنها تتابع الوضع عن كثب، مطمئنة، مرة أخرى، أن الدولة ستلجأ إلى الاحتياط الاستراتيجي. وحسب محطة “تي أف 1″، فإن احتياطي فرنسا من البترول يبلغ 18 مليون طن، وهي لجأت اليه في العام 2016 حين عصفت بالبلاد موجة احتجاجات شعبية، وفي مارس (آذار) الماضي، دعت المنظمة الدولية للطاقة التي تضم 31 دولة لاستخدام 60 مليون برميل من المخزون الاحتياطي الطارئ كرسالة وحدة قوية لأسواق النفط العالمية، لتؤكد عدم وجود نقص بالتزويد على إثر الهجوم على أوكرانيا.