فؤَاد سليمان في معرض الكتاب العربي
في سياق الأَنشطة الثقافية التي تواكب “معرض الكتاب العربي”، دعت “دار سائر المشرق” إِلى ندوة خاصة بالأَديب فؤَاد سليمان لمناسبة إِصدارها كتابَ “مختارات من فؤَاد سليمان” (264 صفحة قطعًا وسَطًا).
زغيب: لبنان عنده نبع الينابيع
افتتح الندوة الشاعر هنري زغيب عارضًا أَهمية صدور هذا الكتاب للأَجيال الجديدة قرَّاء وتلامذةَ مدارس وطلَّابًا جامعيين. ثم تلا كلمته في الندوة، ومنها: ” لم تَبلُغْهُ صباحَةُ الأَربعين. صرَعَهُ الخنزير البرّي قبل أَن يبْلُغَها. نَزَلَتْ من دمه نقطةٌ على الأَرض، سكبَتْ عليها دمعةً عشتار، نبتَتْ مكانها شقائقُ حُـمْرٌ تَسَنْبَلَتْ بَيدرًا، وكان ربيع. وفي اليوم الثالث كان عرسٌ في قانا الأَدب… يُقال فيه الكثير، هذا الفؤَاد سليمان، فلا ينْضُبُ قولٌ ولا ينْبُضُ اكتفاء. علامتُه، هذا الشاعر كثيرًا، أَنَّ لبنان عنده نبعُ الينابيع. سوى أَنه أَعاد نُسغَهُ إِلى أُبُوَّة لبنان بكل اعتزازِ البُنوَّة وفخر الانتماء… راح ولم يجد نصوصه مجموعة في كتاب. لكن زوجته الحبيبة جوزفين لَـمْلَمَتْها ورَقةً ورَقة، قُصاصةً قُصاصة. ما لم تستطع حِفْظَه مطبوعًا، نَسَخَتْه بخطِّها من جريدةٍ أَو مجلة، وحفظَتْه وحفظَتْها. وحين اكتمَلَ جمع السنابل عن البيادر بعد غيابه الوجيع، حملَتْها أَغمارًا تَلَقَّفَها وليد، أَوسَطُ البنين، فتعهَّدها ميراثًا فاح به على الناس كما عرَفَ من أُمِّه عن أَبيه كيف كان أَدبُهُ يزهر بين الناس… فيا أَيها الشاعرُ العاشق، أَيها الـ”تـموز” الباشق: باقيةٌ قناديلُكَ الحمراءُ شاعلةً في تموزيات أَدبنا وفي ذاكرتنا وذاكرة لبنان الذي أَحببْتَ حتى الوَلَه، وباقيةٌ ليلةٌ لم تَتَبَرعَمْ بعدُ لَيلَكيَّةٌ حَنون واعدةٌ بالتي ستُطِلّ، تَفتَح شبَّاكها الغربي وتُطِلّ، تُلَوِّح لكَ من فَوق، فترتعشُ في قلبِكَ نَبضةُ الحب، وتَنفتحُ لِـحبِّك الكبير حَنْواتُ درب القمر”.
ساسين: يُقرأُ اليوم وسيُقرأُ غدًا
ثم كانت كلمة رئيس اللجنة الوطنية لليونسكو المحامي شوقي ساسين، ومنها: “أَعترفُ بأَنني من مدمني تموز وعشاق أَدبه. ويفرحني جدًّا أَن تكون روحُه عُمِّرَت في الجسدِ كثيرًا حتى بلغَت ثمانيًا وثلاثين قامةً من السنين. فوحقِّ الزيتون وزيتِه وخضرتِه، ما كان لفسحةٍ طولى من مضافةِ اللحمِ والدمِ أَن تأْويَ ثورةَ روحٍ يضطرمُ الزمانُ لهيبًا في صلصالها، وتنزفُ جهادًا أَوردتُها، وتحتدم أَعصابُها بالعواصفِ من ذرى الأضالعِ حتى أَودية الكلمات. لكن هذه الثورة التي أَضنت الجسد القليل الكليل، لا تزالُ على جذوتِها الأُولى في جسد الزمان بعد ثلاثةِ أَرباع قرنٍ من الرحيل؛ وستبقى تعاودُ سيرتَها في كلِّ جيلٍ حتى انتصار الحب على الحقد، والجمال على القبحِ، واليقين على الضلال… أدركَت المنيةُ تموز قبل أَن يكتبَ قصتَه مع الموت. أَما رحيلُه فدوّن لنا قصة أُخرى عن ديمومة الحياة، لأَن فؤاد سليمان، في كلِّ نبرةٍ خطرَت منه بقلم، أَودعَ قطعةً من قلبِه تحيا بها الأَجيال اللاحقة. وسرُّ ذلك أَنه في نثره وقصيده كان شاعر الوجود بكلِّ تجلياتِه، من أَلمٍ وموت، وقيامةٍ وانبعاث، وامرأَةٍ ووطن، وطبيعةٍ وتراث، وحداثةٍ وأَصالة، وفكرٍ ووجدان، وحريةٍ ونظام، وكان في هذه قاطبةً شاعرَ الحب… فؤاد سليمان استجمع أَدبُه قضايا الوجود الدائمة الحضور في ضمير الإنسانية. والزمانُ في بلادِنا تحجَّر عند مطالع القرن العشرين، وما زالت المشاكل التي اعترضت أَجدادَنا هي نفسُها التي تعترضُنا اليوم، كأَننا في حالةِ استنساخِ وقتٍ بخلايا أَزماته الدائمة وحلوله المستحيلة. ولهذه الأَسباب يُقرأُ اليوم وسيُقرأُ غدًا فؤاد سليمان.
جهاد الأَطرش: قراءات من معاصريه
وتخلَّلت الندوة قراءات اختارها الفنان جهاد الأَطرش مقاطعَ من معاصري فؤَاد سليمان: غسَّان تويني، محمد البعلبكي، مارون عبود، الياس خليل زخريا، أَدونيس، أُنسي الحاج، إِدفيك شيبوب، وفاء نصر، وسواهم