فشل الغرب في مواجهة الإرهاب الإسلاموي


<p class="rteright">إدارة بايدن أعادت العجلة إلى الوراء فأحدثت زلزالاً مخيفاً في صيف 2021 بتسليم أفغانستان إلى "طالبان" (رويترز)</p>
يقول لنا المنتقدون إن الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص قد فشلوا في مواجهة القوى والتيارات الإسلاموية، على الرغم من أكثر من عقدين من حروب مدمرة مع جماعاتها المسلحة من أفغانستان إلى العراق وسوريا فليبيا والساحل وصولاً إلى القرن الأفريقي. ويذهب البعض إلى التهكم على الدول الأطلسية بأنها لم تحم نفسها من هذه الجماعات فأضحت تعبث بأمن الدول الأوروبية والغربية نفسها. وبات السؤال يطرح فعلاً في الغرب والشرق: لماذا فشلت أميركا والعالم الحر في كبح جماح ما يعرف بـ”الجهاديين” في العواصم الغربية، ويعرف بالجماعات الإسلامية المسلحة في العالمين العربي والإسلامي؟ هكذا سؤال لا يبرئ الشرق من تقصيره، وأحياناً في بعض الحالات، من مشاركة بعضه في دعم المتطرفين وتغطيتهم. ولكن أخطاء أميركا والغرب كانت أكبر في العقدين الماضيين حيال هذه التيارات المتطرفة لأنها قادت حرباً طويلة، وكلفتها مليارات وأدت إلى خسائر بشرية، وعلى الرغم من إطلاقها “للحملة العالمية ضد الإرهاب” لكنها بنفس الوقت هندست الشراكة مع بعض هذه الجماعات. فهل أدت السياسة الغربية إلى استفحال “التكفيريين” في وثباتهم الإقليمية بدلاً من تراجعهم؟ لننجح في التقييم الأولي لا بد لنا أن نميز بين الفترات الرئاسية الأميركية المتتالية منذ انتهاء الحرب الباردة وخاصة بعد ضربات 11 سبتمبر (أيلول).
التسعينيات
مع سقوط الاتحاد السوفياتي، كما أعلن العديد من محللي ومهندسي هذه الحركات، وخاصة منذ انعقاد مؤتمر الخرطوم تحت إشراف الدكتور حسن الترابي في 1991 و1992، تطورت الحركات الإسلاموية المقاتلة إلى تيارين أساسيين، تيار عامل داخل العالم الإسلامي ويأجج الجبهات من الفيليبين إلى أفغانستان إلى الكشمير فمصر والصومال والجزائر والشيشان، وغيرها. التيار الآخر الذي ضم “الجهادية القتالية” بدأ بإقامة قواعده الدولية، خاصة في أفغانستان مع سيطرة “طالبان” وتموقع “القاعدة”. خطأ الغرب الأول كان بالتخلي عن التعاطي مع أفغانستان وترك “طالبان” تلتهمه، والخطأ الثاني كان بتساهل إدارة كلينتون بتسرب النفوذ الإخواني منذ منتصف التسعينيات إلى الداخل الأميركي. وأدى هذا النفوذ إلى تحريف النظرة الأميركية إلى الجماعات الإسلاموية، وبالتالي تمييع الرد عليها وبالتالي إضاعة وقت ثمين لفترة عقد قبل ضربات 11 سبتمبر.
بعد 11 سبتمبر
إدارة الرئيس بوش قلبت السياسة المائعة حيال الجماعات بعد مجازر نيويورك وواشنطن وأسقطت “طالبان” وصدام حسين، وشنت الحرب ضد الإرهاب، أي عملياً ضد القوى التكفيرية، ونسقت مع الدول العربية والإسلامية لمواجهة التطرف. إلا أنها ارتكبت بعض الأخطاء وأهمها أولاً اجتياح العراق من دون إضعاف النظام الإيراني والسماح للميليشيات الخمينية باختراق العراق، مما صعب قدرة التحالف على إنهاء “القاعدة” وما انبثق عنها، عدم خوض حرب أيديولوجية ضد الإسلامويين في أفغانستان، والاكتفاء بمد وجذر مع المجموعات المقاتلة. وأخيراً عدم إصلاح المراكز التربوية في أميركا نفسها حيال برامج الدراسات الشرق أوسطية لتحسم الحرب الفكرية لدى الرأي العام الأميركي. أضف إلى ذلك عدم تواصل الإدارة مع الفصائل العربية والإسلامية المعتدلة في داخل الولايات المتحدة فمرت 8 سنوات استمر فيها “الستاتيكو” مع “الإسلاميين السياسيين والقتاليين”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عهد أوباما
فترة باراك أوباما كانت واضحة حيال التعاطي مع “الإسلاميين السياسيين”. فمنذ يونيو (حزيران) 2009 توجه الرئيس أوباما إلى حركاتهم عالمياً عبر خطابه في جامعة القاهرة والتزم بشراكة استراتيجية بين الولايات المتحدة والتيارات الإسلامية ودعى إلى فك الاشتباك وإنهاء المواجهة مع جماعاتهم المسلحة. ومع انفجار ما يسمى بـ “الربيع العربي” انحازت إدارته كلياً للإخوان والميليشيات الإسلامية على حساب الليبراليين، والمسلمين الإصلاحيين، والأقليات، ولا سيما الحكومات المحافظة الوطنية الحليفة. فضحت إدارة أوباما بحكومات مصر وتونس، ووقفت مع “إسلاميي” ليبيا، وسوريا، واليمن، وفلسطين، وتخلت تدريجاً ولكن بدبلوماسية عن القيادة السعودية والإماراتية. فتجابهت بيروقراطية واشنطن مع معارضات التكفيريين في المنطقة وفتحت أبوابها لمؤيدي الإخوان إيران في وازاراتها ومؤسساتها. نعم قتلت أسامة بن لادن ولكنها مكنت “الموضوعيين” في التيار الإسلامي العريض. فاكتسب هذا الأخير قوة هائلة لفترة عقد تقريباً، قلب فيها كل سياسات بوش بعد 2001.
ترمب
الرئيس دونالد ترمب قلب السياسة الأميركية من جديد حيال المتشددين والإسلامويين، إن كان بضربه الشديد لـ “داعش” وإسقاط “خلافتهم”، أما بإعلاناته المتشددة تجاه الإخوان وتفرعاتهم. ولكن إدارته، وبعضها بتأثير من شركات الضغط المتعاقدة مع قطر أم مع الحكومات الحليفة كأنقرة وطرابلس، توقفت عن تنفيذ سياسات المواجهة مع الإسلاميين، خارج مجابهة “داعش”. إلا أن التزام ترمب نفسه بمبادئ إنهاء التطرف ودعم الاعتدال العربي والإسلامي عبر خطابه في قمة الرياض، أبقى سياسة واشنطن على هذه السكة حتى انتهاء عهده في 2020، لا سيما مع قيادته لآلية توقيع معاهدة “أبراهام”.
بايدن
إدارة الرئيس جو بايدن أعادت العجلة إلى الوراء، فأحدثت زلزالاً مخيفاً في صيف 2021 بتسليم أفغانستان إلى “طالبان”، باعثة الأمل في صفوف الجماعات المقاتلة، وانقضت على أقرب الحلفاء القادرين على مساعدة أميركا ضد هذه التيارات. فوضعت الإدارة ضغطاً غير طبيعي على الرياض والقاهرة وأبو ظبي لتخفيف حدة برامجهم لأضعاف القوى الإسلامية في المنطقة والعالم. وأدى ذلك لاستئساد هذه التيارات من جديد، وتغول المجموعات التابعة لها داخل الولايات المتحدة سياسياً.
أميركا والغرب باتوا ملعباً لصراع بين لوبي إسلاموي ممل وصاحب تأثير وكتلة تواجهه، لذلك ضاعت المجتمعات المدنية والدول المعتدلة في المنطقة من كثرة تناقض السياسة الأميركية تجاه القوى الإسلاموية في الشرق الأوسط.
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com