janoub 24

فجرت الأحداث الأخيرة في محافظة كركوك العراقية أزمة كبيرة بين القوى السياسية المشكلة للحكومة الحالية قبل أقل من ثلاثة أشهر على استعداد السلطات لإجراء أول انتخابات لمجالس المحافظات منذ 2013، إذ تملك صلاحيات واسعة فضلاً عن صلاحيات إدارية ومالية واسعة.

وحددت الحكومة العراقية في وقت سابق الـ 18 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل موعداً لإجراء الانتخابات المحلية في العراق (ما عدا محافظات إقليم كردستان).

وخلقت الفوضى الكبيرة في محافظة كركوك الغنية بالنفط وذات المكونات المتعددة تكهنات كبيرة حول إمكان تأثيرها في إجراء الانتخابات المحلية وسير الاستحقاق في كركوك والمحافظات الأخرى.

وشهدت كركوك مطلع الشهر الجاري تظاهرات وقطع طرق رئيسة تربطها مع أربيل مما تسبب في فرض حظر للتجوال، احتجاجاً على قرار السلطات العراقية إخلاء مقار الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك بحسب الاتفاق السياسي، تمهيداً لإعادتها للحزب وعودته لممارسة أنشطته في المحافظة التي خرج منها في 2017 إثر حملة عسكرية نتيجة تنظيم إقليم كردستان العراق استفتاء للانفصال عن بلاد الرافدين.

وفرضت بغداد السيطرة على المحافظة الغنية بالنفط في 2017، ويترأس اليوم إدارتها محافظ عربي هو راكان الجبوري.

انتخابات موحدة

وأعلن ائتلاف إدارة الدولة (المشكل للحكومة الحالية) تشكيل لجنة قيادية من الائتلاف لزيارة كركوك والوقوف على الحقائق.

وقال أمين عام ائتلاف إدارة الدولة عباس راضي العامري في بيان إن “السوداني استضاف في القصر الحكومي وبحضور رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب اجتماعاً مهماً لمناقشة ما حدث في كركوك”.

وذكر العامري أن الاجتماع تميز بروح المسؤولية تجاه قضايا الوطن والدم العراقي المقدس، إذ اعتبر الائتلاف ما حدث في كركوك عملاً مداناً تحت أي ذريعة ومن أي جهة كانت، داعياً إلى التزام خطاب وطني يساعد على التهدئة وإشاعة الأمن والاستقرار في محافظة لها خصوصية معقدة.

وأكد الائتلاف “إجراء الانتخابات المحلية في موعدها المحدد، خصوصاً في كركوك”، معرباً عن دعمه لقرار مجلس النواب تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق ومشدداً على ضرورة الكشف عن التحقيق أمام الرأي العام ومحاسبة من يثبت تورطه أياً كان عنوانه وانتماؤه.

كذلك شدد الائتلاف على ضرورة إجراء تعديلات إدارية في كركوك بما يحفظ التوازن بين مكوناتها جميعاً.

استعدادات مبكرة

على العكس تماماً من تلك الأحداث، تواصل مفوضية الانتخابات عملها استعداداً للاستحقاق المحلي المقبل الذي سيجري منتصف ديسمبر المقبل.

في السياق ذاته، أكدت المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات جمانة الغلاي أن المفوضية مستعدة لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، موضحة أنه في محافظة كركوك شكلت لجنة بأمر ديواني لغرض تدقيق سجل ناخبي المحافظة ووضعت آليات العمل وشرعت بعملها وعقدت اجتماعات عدة وأيضاً التقت بمديريات تابعة لهذه الوزارات في محافظة كركوك لغرض تدقيق سجل ناخبيها.

وأشارت إلى أن العمل جارٍ لتحديث سجل الناخبين وإجراءات الترشح بالنسبة إلى الأحزاب والتحالفات والمستقلين، شارحة أن المفوضية تعمل على ضمان حقوق الناخبين في أي محافظة من محافظات العراق الـ 15 المشمولة بالانتخابات ومن ضمنها كركوك.

انتخابات مبكرة 

وشكلت أحداث كركوك علامة فارقة في الوضع السياسي العراقي الذي شهد استقراراً طفيفاً خلال الآونة الأخيرة، بحيث باتت الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة أقرب إلى فكرة خوض الانتخابات المحلية.

من جهته، يرى نائب رئيس مفوضية الانتخابات السابق سعد الراوي أن موضوع تأجيل الانتخابات المحلية والدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة يحتاج إلى دراسة معمقة، مقرّاً بأن تأجيل الانتخابات بحاجة لتأسيس مجلس مفوضية جديد وهناك خلافات سياسية بين الكتل السياسية الرئيسة حول كيف سيشكل مجلس جديد، إذ إن الغالبية ترغب في القانون القديم من دون القضاة، بينما هناك أحزاب أخرى ترى بقاء القضاة ضرورياً في المرحلة المقبلة.

ويعرب الراوي عن اعتقاده بأن إجراء الانتخابات في محافظة كركوك استناداً إلى القانون الحالي مشكلة وتركها أيضاً مشكلة أكبر إذ تحتاج إلى تعديل القانون ولا يوجد في دول العالم تدقيق سجل ناخبين بعد الانتخابات إلا في قانون الانتخابات العراقي.

ونوه بأن هناك إشكالاً كبيراً في سجل الناخبين داخل العراق، حيث إن أكثر من 40 في المئة لا يحق لهم التصويت، وفي كركوك مشكلة معقدة للغاية، مرجحاً وجود أكثر من 320 ألف ناخب لا يمتلكون بطاقة انتخابية، وتساءل كيف ستكون النتائج إذا حرم هؤلاء سواء من عرب أو أكراد أو تركمان من الإدلاء بأصواتهم؟

خزين مالي كبير

المحلل السياسي رافد العطواني وصف موضوع كركوك بأنه مرتبط بخطوط النقل وخطوط نقل الطاقة والحركة التنموية التي يشهدها العالم والتنافس بين الولايات المتحدة الأميركية وخصومها الآخرين ومن بينهم الصين وروسيا.

وأكد أن كركوك هي ضمن المشاريع الدولية ومصادر الطاقة المهمة، وستدخل بأي حال من الأحوال هذه القوى من أجل السيطرة على الاضطرابات داخل المحافظة، بالتالي كركوك هي خزين مالي كبير تسعى كل الأطراف وعلى رأسها القوى الشيعية والكردية إلى الحصول على المغانم الاقتصادية داخلها، مشدداً على أن الإطار التنسيقي يملك أدوات لازمة لتأجيل الانتخابات مع الشركاء الآخرين.

وتابع يمكن أن تتخذ الأحزاب أكثر من مبرر لتأجيل الانتخابات منها فرضية عودة التيار الصدري مرة أخرى وإجراء انتخابات برلمانية وليس محلية.

ضحية الاتفاقات السياسية

من جانبه، اعتبر الوزير الأسبق والسياسي العراقي باقر جبر الزبيدي أن محافظة كركوك ضحية الاتفاقات السياسية، مبيناً أنها لا تزال ومنذ أعوام تخضع للمساومة والمزايدات بينما يعاني أهلها الخروقات الأمنية المستمرة وخلافات جميع الأحزاب الموجودة هناك التي تؤثر في السلم المجتمعي داخل المدينة التي تعطي خير مثال على قدرة العراقيين على التعايش بينهم.

وأوضح أن عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني للمدينة تزامنت مع تصريح لأحد المسؤولين الكرد حول قطع المياه عن الوسط والجنوب، مما يرفع مستوى التوتر بين المركز والإقليم.

وأضاف أن كركوك ومنذ أعوام تدفع ضريبة الاتفاقات السرية بين بعض الأحزاب لتشكيل الحكومات المتعاقبة وتقديم تنازلات، قائلاً إنه “لو كانت هذه الاتفاقات لمصلحة المدينة وسكانها لكانت علنية ولكنها تحمل بنوداً خبيثة الهدف منها المناصب والحصص”.

ورأى أن مسؤولية ضياع كركوك وما يجري في شمال الوطن من تدخلات تركية تقع على عاتق زعماء الكتل السياسية (السنة والكرد والشيعة)، إذ إن للجميع في كركوك حقوقاً وواجبات وسياسة إقصاء الآخر لم تنجح يوماً في العراق وعلى جميع المكونات في المدينة أن تعلم أن الحل الوحيد لمستقبل كركوك هو التعايش السلمي بين أبنائها ونبذ وطرد كل من يحاول أن يستأثر بالمدينة وخيراتها.