في اليوم العالمي لمواجهة الفقر… توالي الأزمات يعرقل جهود التنمية


<p class="rteright">ارتفاع مستويات الفقر في المنطقة العربية عام 2022 مقارنة بالسنوات الماضية (رويترز)</p>
في أحد كتبه، وصف الكاتب الراحل يوسف إدريس الفقر قائلاً “إن الفقر ليس وضعاً اقتصادياً فقط، إنما وضع من أوضاع البشر، وضع عام، يتصرف فيه الإنسان بفقر، ويفكر بفقر، أفكار تؤدي إلى فقر أكثر واحتياج للغير أكثر”.
ويأتي اليوم العالمي للقضاء على الفقر في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، في وضع شديد الصعوبة يشهده العالم كله سواء على مستوى أزمات اقتصادية تعانيها دول كثيرة أو حروب ونزاعات متأججة في بلدان عدة تؤدي لزيادة نسبة الفقر وعرقلة جهود التنمية.
وكانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا”، قد أفادت، في تقريرها الأخير، بارتفاع مستويات الفقر في المنطقة العربية، عام 2022، مقارنة بالسنوات الماضية، ليصل عدد الفقراء إلى ما يقرب من 130 مليون شخص، أي ما يمثل ثلث سكان المنطقة، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا، وذلك وفقاً لخطوط الفقر الوطنية.
وأفاد التقرير بأن الحروب، شأنها شأن الجائحة، لها تأثيرات متفاوتة على الدول في مختلف أنحاء المنطقة العربية، ولكن من المرجح أن تتحمل الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل الجزء الأكبر من هذا التأثير لاعتمادها بدرجة عالية على الواردات الغذائية ومدى توافر المساعدات المالية.
معيار الفقر المدقع
ويعود الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على الفقر، إلى عام 1987، حينما اجتمع ما يزيد على 100 ألف شخص تكريماً لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع في ساحة تروكاديرو في العاصمة الفرنسية باريس حيث وقع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وأعلنوا أن الفقر يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان.
والفقر المدقع أو الفقر المطلق، عرفته الأمم المتحدة، عام 1995، بأنه حالة تتسم بالحرمان الشديد من الحاجات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الغذاء ومياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الصحي والصحة والمأوى والتعليم والمعلومات، فهو لا يعتمد فقط على الدخل ولكن أيضاً على الحصول على الخدمات، ويعرف أيضاً الفقر المدقع بأنه العيش على أقل من دولارين للشخص الواحد في اليوم وفقاً لمعيار القوة الشرائية لعام 2017، ويعيش بالفعل 8.4 في المئة من سكان العالم أو ما يصل إلى 670 مليون شخص في فقر مدقع طبقاً لإحصاء عام 2022.
برامج تنموية لمواجهة الفقر
وتعتبر الشراكات بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، وأحياناً الشركات، واحدة من أهم الوسائل لتحقيق التنمية ومواجهة الفقر، وطبقاً للأمم المتحدة، أعلنت 105 دول عما يقرب من 350 إجراء للحماية الاجتماعية في المدة من فبراير (شباط) 2022 إلى فبراير 2023 كاستجابة لأزمات متعددة من بينها ارتفاع تكاليف المعيشة، وعلى رغم أن كثيراً من الدول تنتهج إجراءات وبرامج متعددة لمواجهة الفقر وتحقيق شكل من أشكال الحماية الاجتماعية للفقراء، فإنها لا تؤتي ثمارها بالقدر الكافي وتظل نسب الفقر مرتفعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت أستاذة الاقتصاد بـالجامعة الأميركية في القاهرة عالية المهدي “كل دولة يكون لها نمط معين من المشكلات التي قد تعوق الجهود التنموية، فهناك دول تشهد حروباً ونزاعات، وأخرى معدل نموها الاقتصادي ضعيف، وينطبق هذا الأمر على الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، وهناك دول تكون القدرة فيها على خلق فرص عمل محدودة مما يؤدي لأزمات أهمها زيادة نسبة الفقر وعرقلة جهود التنمية”. أضافت “بعض الدول تنتهج برامج تنموية معينة بهدف القضاء على الفقر لكنها لا تكون مناسبة أو متوافقة مع طبيعة حالتها ووضعها، فلا تؤتي ثمارها، وتكون نتائجها محدودة، وهنا البرامج ذاتها تحتاج إلى مراجعة وتغيير فلا يوجد برنامج ثابت يصلح للتنفيذ في كل مكان، وإنما كل دولة لها ما يناسبها بحسب طبيعة وضعها والمشكلات التي تواجهها”.
فقر الإبداع
ليس الفقر فقط هو الحرمان من أساسات الحياة أو عدم توفر الخدمات، فهناك مجتمعات يكون بها فقر إبداعي أو فقر في الابتكار، وفي أحيان تكون الظروف القاسية التي يعيشها بعض الناس لها انعكاسات على حرمانهم من كثير من الفرص التي يمكن أن تؤدي لتطوير حياتهم أو تنمية مجتمعاتهم.
وقالت أستاذة مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس عزة فتحي “لا يمكن اعتبار هذا قاعدة، فالفقر في بعض الأحيان قد يكون دافعاً للاجتهاد عند بعض الناس، وهناك كثير من الأمثلة تتناول مبدعين في مختلف المجالات من أنحاء العالم كافة نشأوا في بيئات شديدة الفقر، وتألقوا في مجالاتهم، فالفقر لا يؤثر في الذكاء والمهارات إذا أتيحت الفرصة للطفل، والدليل على ذلك أن هناك أطفالاً من عائلات ثرية تتوفر لديهم مظاهر الرفاهية كافة ولا يقدمون أي شكل من أشكال الإبداع”. أضافت “ما يمكن أن يكون عائقاً أمام الابتكار في هذه الحالة ليس الفقر وإنما ما ينتج منه، فبعض الأسر الفقيرة تخرج أبناءها من التعليم لأسباب متعددة من بينها عدم القدرة على دفع نفقات التعليم أو لإلحاق الأطفال بعمل، وهذه القضية المتعلقة بالتسرب من التعليم تعد أزمة كبرى بخاصة في أفريقيا التي من المتوقع أن تشهد تزايداً في هذه الظاهرة مع تنامي ظاهرة التغيرات المناخية وقلة الموارد”.
الفقر متعدد الأبعاد
وتطور تعريف الفقر ذاته مع الزمن وتغير الظروف، فظهر، أخيراً، مصطلح الفقر المتعدد الأبعاد الذي أصبح يجري استخدامه حالياً مع تطور مقاربات التنمية وتوفر البيانات المفصلة، وأصبح يأخذ بالاعتبار أنواعاً أخرى من الحرمان لا تقتصر على الدخل، ويقسمها إلى الحرمان من ستة عناصر وهي فقر التعليم، والمسكن، والصحة، والخدمات العامة، والأصول والممتلكات، والعمل والدخل.
وبالفعل، في كثير من المجتمعات، كان مفهوم الفقر سابقاً مقتصراً على من لا يملكون قوت يومهم أو أساسات الحياة، ولكن اليوم أصبحت متطلبات الناس أكثر تعقيداً بمن فيهم من يعيشون في ظروف شديدة الصعوبة، وختمت فتحي “هناك اتجاه عام حالياً نحو السعي لجودة الحياة وليس فقط توفير الحاجات الأساسية مع زيادة كبيرة للتطلعات عند كل الطبقات، ومن بينها التي تعيش في فقر شديد، لكنها تسعى إلى الحصول على جهاز خلوي حديث على سبيل المثال ربما لن يضيف شيئاً لحياتهم، وتزداد التطلعات كلما ارتفع المستوى الاقتصادي وتكون متعلقة بنوعية السكن والسيارات والملابس، وكل هذه الأمور التي تظهرها بشده مواقع التواصل الاجتماعي وانفتاح الناس عليها، الفقراء قبل الأغنياء، هذه الظاهرة بدأت منذ نهاية السبعينيات لكنها تفاقمت حالياً وجعلت تعريف الفقر ذاته وقياسه يختلف”.
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com