janoub 24

مع تواصل الاحتجاجات في إيران، بدأنا نرى بوادر قلق لدى اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة ترجمت بتعبئة أوساطه للدفاع عن صورة النظام ورصيده، والأهم قدرته على الاستمرار والحسم ضد الانتفاضة الشعبية. لماذا يقلق هذا اللوبي، وماذا يقول، وهل هو مقنع، وكيف سيكون مستقبله؟

مصدر قلق اللوبي

المجموعات والتنظيمات التي عملت لأكثر من عشرين عاماً في واشنطن على الدفاع عن النظام في طهران، وأهمها NIAC، طورت قدراتها تدريجاً مع الوقت، ولا سيما خلال 8 سنوات من حكم الرئيس السابق باراك أوباما. ووصلت إلى ذروة نفوذها بعد توقيع الاتفاق النووي JCPOA في 2015. وباتت العلاقة بين اللوبي وطهران علنية وغير سرية، يظهر فيها أركان مجموعات الضغط خلال سفرهم إلى إيران أو لقائهم مع المسؤولين الإيرانيين. وقد سمح لهم نفوذهم في الإعلام وفي الجامعات وقدراتهم المالية وعلاقتهم الوطيدة مع إدارتي أوباما وجو بايدن بأن ينجحوا في طمس وهج ثورتين شعبيتين داخل “الجمهورية الإسلامية” لدى الرأي العام. الأولى في 2008 والثانية في 2019، وتخفيف تأثيرهما على الرأي العام الأميركي. خلال الثورة الخضراء، استفادت مجموعات الضغط من موقف أوباما الذي وجه بيروقراطيته و الإعلام بعدم التعبئة لصالح المتظاهرين منذ 2009، واستمرت قوة اللوبي، كما كتبنا في السابق، لثماني سنوات حتى جاءت إدارة دونالد ترمب في 2017 حيث أحدث تغييراً كبيراً في سياسة واشنطن وبدأ بعزل إيران عبر الانسحاب من الاتفاق ووضع الباسدران على لائحة الإرهاب. عندها أطلق اللوبي حملات واسعة ضد ترمب لحماية الاتفاق والتعاون مع طهران. 

وكان أكبر تحد للوبي خلال مرحلة خريف 2019 عندما انفجرت مظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) في الداخل الإيراني ودامت أسابيع، وكانت انتفاضات أخرى في لبنان والعراق قد تمددت أيضاً. فدب الهلع لدى القوى المؤيدة للنظام من أن إدارة ترمب ستبدأ بدعم المحتجين وتصعد في إطار حملة الضغوط القصوى (Maximum Pressures Campaign) التي كان ينسقها السفير براين هوك. وكان هناك خطراً حقيقياً على النظام. 

فإدارة ترمب، بعكس إدارة أوباما، لم تحمِ النظام وكان لها حلفاء إقليميين ينسقون معها في ملف إيران، أهمهم التحالف العربي وإسرائيل. إلا أن المعارضة الشرسة لترمب، التي أطلقها أوباما قبل خروجه من البيت الأبيض، وهي من مهندسي الاتفاق النووي، وضعت كل ثقلها لشل تحركات ترمب الشرق أوسطية. ولعب اللوبي الإيراني دوراً كبيراً في المعارضة. وقد أدى ذلك إلى عدم دعم ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو للاحتجاجات الإيرانية خلال ذلك الخريف. وربح اللوبي جولة جديدة في أميركا. أما قلق هذا الأخير في هذه الجولة هو أن العامل الأميركي مختلف عما سبق، لأن الإدارة هي تحت ضغط المعارضة الجمهورية، التي من المحتمل أن تسيطر على مجلس النواب وبالتالي تبدأ بتغيير السياسة الخارجية في بداية 2023، ولكن هناك سبب أهم.

الانتفاضة الجديدة أصلب

كما يرى المراقبون، فالاحتجاجات هذا العام أصلب، أكثر تنظيماً، وأقل اتكالاً على الخارج. وتلعب النساء من ناحية والشباب المراهق دوراً أكبر في الانتفاضة. ويرى المراقبون أن الأقليات الإثنية كالأكراد والعرب والآذريين والبلوش من جهة والفرس من جهة أخرى يشاركون سوية بالاحتجاج، مما يعطي بعداً وطنياً شاملاً للتحرك. ويبدو أن الدعم المتزايد في الغرب، لدى الرأي العام بسبب عوامل المثلث: نساء، مراهقون، أقليات، بات يخلق حالة من التعبئة لصالح الانتفاضة وضد النظام بما لم نره منذ 1979. وهذا هو الخطر الحقيقي بالنسبة للوبي. فالثورة لا تهدأ حتى ولو احتاجت إلى وقت أطول، وهي مستقلة عن الخارج بل ضد مشيئة لوبي الاتفاق النووي. وباتت تحصل على عطف متعاظم في وقت ترمب ليس في البيت الأبيض، بل بايدن و من ورائه الرئيس السابق أوباما.

جماعات الضغط لصالح النظام تحاول إصلاح صورة النظام، ولكن فيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي أقوى. ومشكلة اللوبي هي أن كل الخيارات صعبة. فإذا تراجع النظام، ستتقدم الثورة ويعلو صوتها. وإذا قمع النظام بالدم سيزداد الصراخ أكثر. وفي الحالتين، الرأي العام بات أكثر تنصتاً من السابق. ومع دخول إيلون ماسك مبنى “تويتر” ستزداد الحرية وتتكثف الفيديوهات. 

وأكثر من ذلك، في مقال آخر…