موسكو والغرب في مأزق: أخطاء ونتائج معاكسة


<p class="rteright">أراد بوتين قبل حرب أوكرانيا وخلالها استعادة موقع القوة العظمى لروسيا على قمة العالم (رويترز)</p>

ليس لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولا لدى الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة أوروبا “استراتيجية خروج” من حرب أوكرانيا، بوتين، بحسب أستاذ دراسات الحرب في كلية الملك في لندن لورنس فريدمان، رأى في الفارق بين قوة روسيا وقوة أوكرانيا “وعداً بنصر سريع”، وكان هذا خطأه الأول في القراءة، والخطأ الثاني هو التصور أن رد الفعل الفاتر في الغرب على غزو جورجيا وضم شبه جزيرة القرم هو نموذج رد الفعل على غزو أوكرانيا، لكنه فوجئ بنقاط الضعف لدى الجيش الروسي ونقاط القوة لدى الجيش الأوكراني، كما بموقف الغرب القوي الداعم لأوكرانيا، فوجد نفسه في مأزق مزدوج: توسيع الحرب خطر جداً، والتوقف خطر أيضاً، لا استراتيجية نصر كامل، ولا استراتيجية خروج، والغرب الذي قدم الأسلحة والمال والخبرة لأوكرانيا لإلحاق “هزيمة استراتيجية” بروسيا يبدو أيضاً في مأزق: الاستمرار في الدعم كثير التكلفة وليس ضماناً “لاستعادة أوكرانيا الأراضي التي احتلها الروس، وتوقف الدعم يعني انهيار أوكرانيا. لا نصر، ولا مخرج”.

أما الخطأ الثالث، بحسب فريدمان في المقال الذي نشرته “فورين أفيرز” ضمن محور “ما هي القوة؟”، فإن كون بوتين “لم يحسب حساب ما بعد احتلال الأرض، وهو الفشل في حكمها ومواجهة مقاومة”، والسؤال في المحور هو: كيف يخفق قائد لديه جيش مثل الجيش الروسي؟ والجواب المختصر هو “طبيعة القوة”، فالأقوياء لا يستشيرون إلا من يسمعهم ما يريدون سماعه، وهم يخرقون القوانين التي وضعوها لمجرد كونهم قادرين على ذلك، ألم يخرق بوتين ميثاق الأمم المتحدة بغزو بلد مستقل؟ ألم يكن تبريره الغزو إضافة إلى سوء الغزو، وهو القول، “روسيا بدأت العملية العسكرية الخاصة بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة وضمان أمن الدولة الروسية وحماية سكان الدونباس من الإبادة الجماعية؟”.

من المفارقات أن يدافع عن الغزو الروسي لأوكرانيا الذين ضد التدخل العسكري التركي في سوريا والعراق، وضد الاحتلال الإسرائيلي، وضد التمدد الميليشياوي الإيراني في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وضد الغزو الأميركي للعراق، لكن ما يتكلم هو الأيديولوجيا أو المصالح، والواقع أن الضحية الأولى في الحرب هي الأمم المتحدة، إذ يبدو مجلس الأمن مشلولاً في أي قضية “تخص قوة كبرى”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أبرز الدروس من حرب أوكرانيا، في رأي فريدمان، اثنان: أولهما “محدودية القوة العسكرية”، وثانيهما “فشل القيادة السياسية العليا” عبر ممارسة بوتين أخطاء القادة السلطويين، فصدق دعايته وجنرالاته، لكن بوتين يتصرف على أساس أنه منتصر، لا فقط على أوكرانيا بل أيضاً على أميركا وأوروبا، فهو يتحدث عن نهاية الأحادية القطبية، أي الهيمنة الأميركية، ويعلن أنه “يعمل على آليات جديدة لضمان الأمن الدولي في عالم متعدد الأقطاب”.

لكن الغرب ليس حتى الآن في مزاج التسليم بقول الدكتور هنري كيسينجر، إنه “لا بد من أخذ مواقف الرئيس الروسي على محمل الجد”، والانطباع السائد هو أن بوتين “نجح” في الوصول إلى ما أراد عكسه. كيف؟ أولاً، أراد بوتين قبل حرب أوكرانيا وخلالها استعادة موقع القوة العظمى لروسيا على قمة العالم، غير أن مغامرته في أوكرانيا وضعت روسيا في مرتبة دنيا بحيث تبدو “دولة منبوذة” في العالم، ثانياً، رفض بوتين دائماً موقع “التبعية” للغرب وطالب أميركا بأن تعامل بلاده معاملة الند للند باحترام، لكنه اليوم محكوم بأن تكون روسيا تابعة للصين صناعياً وتكنولوجياً في دور الشريك الصغير، وثالثاً، كان من أهداف بوتين في الغزو تكريس نظام عالمي متعدد الأقطاب، غير أنه فتح الطريق إلى فوضى عالمية، حيث القوي بقوته، واختراق خرائط الدول ممارسة عادية.

والحرب، كما قال الإغريقي هيرقليطس، هي “أب كل الأشياء”، أما “الأم” كما أضاف وزير الخارجية الألماني سابقاً يوشكا فيشر، فإنها “الأزمة”. والمشكلة هي مواليد هذين الأبوين.

subtitle:
يقول الإغريقي هيرقليطس إن الحرب هي "أب كل الأشياء"
publication date:
الجمعة, أغسطس 26, 2022 – 09:30

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com

AymanSerhan

Recent Posts

ماكرون وستارمر وكارني: لن نقف مكتوفي الأيدي إزاء الأفعال المشينة لحكومة نتانياهو في غزة

حذّر الرئيس الفرنسي ورئيسا الوزراء البريطاني والكندي ،من أنهم "لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء الأفعال المشينة لحكومة…

ساعة واحدة ago

وزيرا الداخلية والعدل تفقدا عمليات الفرز في قصر العدل واكدا غياب الاشكالات وان الفرز حصل بحضور مندوبين وبشكل رصين جداً

تفقّد وزيرا الداخلية أحمد الحجار والعدل عادل نصار سير عمليات الفرز في قصر العدل في بيروت…

ساعة واحدة ago

22 دولة طالبت إسرائيل بالسماح مجددا ب”دخول المساعدات بشكل فوري وكامل” إلى غزة

طالب وزراء خارجية 22 دولة، من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا واليابان وأستراليا، الإثنين إسرائيل…

ساعة واحدة ago

باسيل: أهل بيروت أثبتوا بوعيهم حرصهم على المناصفة ونحترم إرادة أهل زحلة والأهم الحفاظ على التنوع فيها

عقد "التيار الوطني الحر" مؤتمرًا صحفيًا حول نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في البقاع وبيروت، حيث…

ساعتين ago

“جبهة العمل الإسلامي”: لنبذ الفتن الداخلية والوقوف صخرة صلبة في مواجهة مؤامرات العدو

رأت "جبهة العمل الإسلامي" في لبنان في بيان، أن "العدو اليهودي الصهيوني المجرم الحاقد  الغادر…

ساعتين ago

النمر: فازت لائحة “التنمية والوفاء” في بعلبك بفارق 6000 صوت الحاج حسن: من الدلالات ثبات بيئة المقاومة وتحالف الثنائي

بعلبك- أعلن مسؤول منطقة البقاع في "حزب الله" ، فوز لوائح التنمية والوفاء في 28…

7 ساعات ago