ميقاتي بثّ أجواء تفاؤلية وأوحى بعدم تمسّكه وعون بأي حقيبة لهذه الطائفة أو تلك

ميقاتي بثّ أجواء تفاؤلية وأوحى بعدم تمسّكه وعون بأي حقيبة لهذه الطائفة أو تلك
نيّة الطرفين قائمة للتشكيل… والأهمّ التوافق على اسم حيادي ومقبول من الجميع لـ «الداخلية»
دوللي بشعلاني-الديار
خرج الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي من اجتماعه الخامس برئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا أمس، ضارباً عرض الحائط كلّ التوقّعات عن تعطيل تشكيل الحكومة وعدم اتفاقه مع الرئيس عون، واتجاهه الى الاعتذار في وقت قريب جدّاً ، سيما أنّ الطرفين متمسكان بمطالبهما وشروطهما، وقال
إنّه أخذ العِبَر ممّا شاهده وسمعه خلال الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت من المتضرّرين من النكبة الذين يشعرون بالمعاناة والألم، ومن مؤتمر الدول المانحة الذي شاركت فيه 33 دولة و10 منظمات دولية وممثلون عن المجتمع الدولي، وترداد الجميع عبارة واحدة «شكّلوا حكومة ونحن نقف الى جانبكم، وساعدوا أنفسكم لنساعدكم». ولهذا قرّر الاتفاق والتعاون مع الرئيس عون لأنّه «إذا لم نُسرّع في تشكيل الحكومة، فإنّنا نرتكب إثماً كبيراً»، على ما قال.
كلام ميقاتي هذا أعطى جرعة أمل جديدة للبنانيين، سيما أنّه وصف اللقاء مع رئيس الجمهورية بأنّه «خطوة إيجابية للأمام»، كما لفت الى أنّه ليس هناك من وقت للدخول في مشاكل جانبية، متراجعاً عمّا حذّر منه بعد الاجتماع الماضي عن أنّ «مهلة التشكيل غير مفتوحة ويفهم اللي بدّو يفهم»، وموضحاً أنّه لم يقبل مهمّة التكليف لكيلا يُكلّف ويعتذر، وعندما يصل الى طريق مسدود يُصرّح بذلك للبنانيين. كما ألمح الى التوافق بينه وبين الرئيس عون على أنّه ليس بالضرورة أن تكون هذه الحقيبة من حصّة هذه الطائفة، والأخرى من حصّة تلك، ما يعني أنّ الرجلين يتفاوضان على تدوير الزوايا وإيجاد الحلول التي تُرضي الطرفين. وصحيح أنّ التقدّم بطيء، على ما لفت، إلا أن هذا التقدّم يريده اللبنانيون أن يُصبح ملموساً ويُترجم على أرض الواقع. فهل يستمرّ هذا المنحى الإيجابي خلال اللقاءات المقبلة بين الرئيس عون وميقاتي، وماذا لو عادت الأجواء الى السلبية، رغم حديث ميقاتي عن ضرورة التفاؤل؟!
تقول مصادر سياسية واسعة الإطلاع إنّ الرئيس عون وميقاتي يملكان النيّة الفعلية لتأليف الحكومة وللتعاون معاً، رغم علمهما بأنّ العملية صعبة وعليهما التنازل وملاقاة كلّ فريق للآخر في منتصف الطريق، ولهذا لا يزالان يُحاولان تعبيد هذه الطريق لولادة الحكومة من خلال اللقاءات المتواصلة بينهما في قصر بعبدا، بهدف إنقاذ البلاد من الأزمات التي تعاني منها. غير أنّ البعض في الداخل يرى أنّ الطريق الذي يسلكه الرئيس المكلّف في مسار تأليف الحكومة، هو نفسه الذي سار عليه الحريري، ما يجعل التشكيل سيُراوح مكانه في وقت لاحق، وإن عمد ميقاتي الى بثّ اجواء تفاؤلية بعد اللقاء الأخير ، غير أنّ ثمّة فارقا واحدا وهو أنّ ميقاتي «لا نَفَس طويل له»، ما يعني انّه سيُقدم على الاعتذار، من دون إضاعة المزيد من الوقت، فور الوصول الى طريق مسدود مع الرئيس عون.
وأكّدت المصادر أنّ ما يطرحه ميقاتي من إبقاء الحقائب، لا سيما السيادية منها، على ما هي عليه الآن في حكومة حسّان دياب المستقيلة، لكي يتحاشى العبث بـ «وكر الدبابير»، لا يجعله متنازلاً عن أي أمر، بل متمسّكاً بـ «الداخلية والبلديات» التي ستكون الوزارة الأهمّ والأبرز في المرحلة المقبلة. فإذا وافق الرئيس عون على التنازل أو التخلّي عن مطلبه بالحصول على «الداخلية» ولو لمرّة واحدة في عهده الذي لم يتبقّ منه سوى نحو عام وشهرين، لمصلحة الطائفة السنيّة، الأمر الذي يُلغي «مبدأ المداورة» الذي تنصّ عليه المبادرة الفرنسية، فإنّ اسم الشخصية الوزارية التي ستتولّى هذه الحقيبة سيكون موضع التشاور الفعلي بين جميع الأفرقاء. ورأت المصادر أن يأتي ميقاتي بوزير سنّي للداخلية، متعصّب لطائفته فيُجري الانتخابات النيابية المقبلة، ويُعطي «تيّار المستقبل»، على سبيل المثال، ما لم يحصل عليه في السابق من دفع ودعم، فإنّ هذا الأمر لن يُوافق عليه لا الرئيس عون ولا الكتل النيابية المسيحية الأخرى، وإن كانت لا ترغب في المشاركة في الحكومة، ولا بعض النوّاب المستقلّين.
من هنا، شدّدت المصادر نفسها، على أنّ اسم وزير الداخلية المقبل والتوافق عليه يُوازي بأهميته الخلاف على الوزارة نفسها، فرئيس الجمهورية يريد وزيراً مستقلا وحيادياً لهذه الوزارة، يكون مقبولاً من جميع الأفرقاء الذين سيُشاركون في الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، على ما يُفترض، أكانت بقيت مع السنّة، أم آلت للمسيحيين. ولفتت، في الوقت نفسه، الى أنّ فرنسا لا تقف عند تطبيق «مبدأ المداورة» أو عدمه، في حال توصّل الجميع الى اتفاق ما، والى تشكيل حكومة قادرة على إنقاذ البلاد، كما أنّ تطبيق هذا المبدأ واستثناء لمرّة واحدة فقط وزارة المال التي أسندها الحريري، وكذلك ميقاتي للثنائي الشيعي وتحديداً لـ «حركة أمل» منه، لا تُعارضه إذا ما توافق المعنيون عليه.
وفي ما يتعلّق بمبدأ مداورة الحقائب، ذكرت المصادر بأنّ الرئيس عون يؤيّده كونه يُتيح لجميع المكوّنات السياسية بأن تتبادل الوزارات والمسؤوليات، لا أن تحتكر السيادية منها وكأنّها مسجّلة باسمها الى أجلٍ غير مسمّى، ولهذا يريد التوافق مع ميقاتي على هذا الأمر بشكل مبدئي، ليتمّ الانتقال بعدها الى جوجلة الأسماء الوزارية. وأشارت المصادر الى أنّ ميقاتي ينوي توزير شخصيات مستقلّة لم يسبق لها ان خاضت غمار السياسة، أي وجوه جديدة لا تُمثّل أي استفزاز للشعب اللبناني، وهذه الخطوة، بحسب رأيها، سيف ذو حدّين، إذ لا يُمكن توقّع ما ستكون عليه نيات هؤلاء الوزراء، ولا أداؤهم في المرحلة المقبلة، حتى وإن كان بالإمكان الاستشفاف بعض الشيء من سيرهم الذاتية وتاريخهم.
وفي مطلق الأحوال، فإنّ الحقائب السيادية ليست وحدها التي ستُقرّر مسار وبرنامج الحكومة المقبلة، على ما شدّدت المصادر عينها، بل سائر الحقائب، ولا سيما الخدماتية منها مثل الصحّة والتربية والطاقة والشؤون الاجتماعية وسواها، والتي يحتاج الشعب اللبناني الى وزراء فاعلين وإنسانيين على رأسها، يلبّون مطالبه ويعطونه حقوقه في هذه القطاعات. علماً بأنّ برنامج وأداء الحكومة بعد تشكيلها، فضلاً عن تعاطيها مع موضوع التدقيق الجنائي والتحقيق بشأن انفجار مرفا بيروت، كلّها أمور ستجعل الشعب يعطيها ثقته، أم يحجبها عنها، فيعود الى التظاهر في الشارع ضدّها.
أمّا المراحل التي تقطعها عملية التشاور فعلى توزيع الحقائب أولاً، ومن ثمّ على إسقاط الأسماء، على ما أوضحت المصادر، غير أنّ الخلاف على وزارة الداخلية، على سبيل المثال، فرض أن يتمّ التشاور على اسم الوزير الذي سيتولاها قبل الانتهاء من التوزيع الأخير للحقائب كافة. وهذا ما سيحصل عند كلّ خلاف على وزارة أخرى قبل التوافق على المرحلة الأولى، كون المرحلتين مترابطتين مع بعضهما بعضا.
في المقابل، إذا وصل التشاور بين الرئيس عون وميقاتي الى الطريق المسدود، فإنّ الرئيس المكلّف لن يُفكّر كثيراً، على ما أكّدت المصادر، لإعلان اعتذاره عن تشكيل الحكومة، وقد أعلن أخيراً بأنّه سيُصارح اللبنانيين بذلك إذا ما وصل الى طريق مسدود في إيجاد فريق قادر على مساعدته في مهمة الإنقاذ.. وهذا الإعتذار، إذا ما حصل لا سمح الله، من شأنه إعادة البلاد الى نقطة الصفر، وسيصبح من الصعب تكليف شخصيّة سنيّة أخرى تُوافق على القيام بهذه المهمّة «الإنتحارية» وتحظى بالدعم الداخلي والخارجي. كذلك فإنّ استحقاقي الإنتخابات النيابية المقبلة، وانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية قد تُصبح في خبر كان. وتدخل عندئذ البلاد في مرحلة الفراغ الرئاسي، ما قد يتسبّب بالفوضى أو بأمور أخرى لا تُحمد عقباها.
والمعلوم بأنّ ميقاتي لم يقبل هذه المهمّة كونه يريد أن يكون رئيساً لحكومة لبنان، على ما تقول مصادره، إنّما لأنّه أخذ على عاتقه مهمّة إنقاذ البلاد كون ثمّة قبول داخلي وخارجي عليه. وألمحت الى أنّه رغم كون ميقاتي من «الطبقة السياسية الفاسدة» التي ثار عليها الشعب في انتفاضة 17 تشرين 2019 وما بعدها، وطالب بسقوطها وفق شعار «كلّن يعني كلّن»، فإنّ أحداً لم يتظاهر في الشارع رفضاً لتكليفه، ما يعني أنّه يتسلّح بالرضى الداخلي السنّي عليه، وبعباءة الشارع السنّي، وهذا أمر يُسجّل لمصلحته،أمّا الضمانات الدولية، فلم تُميّزه عن الرئيسين المكلّفين السلفين أي السفير مصطفى أديب وسعد الحريري، على ما لفتت المصادر، إذ تمتّع بها كلّ من أديب والحريري، لكنّها أيضاً لم تكن كافية للدفع نحو تشكيل الحكومة فوراً، كما هي الحال مع ميقاتي اليوم.
وبرأي المصادر، إنّ المؤتمر الدولي الثالث لدعم الشعب اللبناني الذي عُقد الأربعاء عبر تطبيق «زوم» بطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبمبادرة من الأمم المتحدة، والذي أقرّ مبلغ 270 مليون دولار مساعدات تربوية وطبيّة وغذائية له، أظهر الى أي حدّ مهترىء وصل إليه الوضع في لبنان على مختلف الصعد. والأسوأ من الوضع، أنّ البعض لا يزال لا يريد اتفاق عون- ميقاتي على تشكيل الحكومة، بل «تطيير» الأخير، وتطيير البلد معه، بدلاً من تمهيد الطريق للإنطلاقة نحو تأليف الحكومة التي من شأنها حلحلة الأزمة الإقتصادية بدلاً من تفاقمها يوماً بعد يوم.