هل تسبق مليونية الأحد عودة حمدوك وإنهاء أزمة السودان؟


<p class="rteright">اتفاق بين المكونين العسكري والمدني تضمّن عودة عبد الله حمدوك لمنصبه على أن يمنح مطلق الحرية في تشكيل حكومته من الكفاءات الوطنية (أ ف ب)</p>
تشير متابعات “اندبندنت عربية”، إلى أن اتفاقاً سياسياً جديداً في السودان تم بين المكوّن العسكري وبعض القوى السياسية السودانية من المنتظر إعلانه خلال الساعات المقبلة من اليوم الأحد، 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، لينهى الأزمة السياسية السودانية، التي تسبب فيها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بإعلانه في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حالة الطوارئ وفضّ الشراكة مع المدنيين بتعطيل بنودها في الوثيقة الدستورية، وحل مؤسسات الحكم المدني في البلاد.
هذا الاتفاق الجديد سبقه لقاء مطول، السبت، بين البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وهو الأول منذ مغادرة الأخير منزل قائد الجيش ومكوثه في الإقامة الجبرية، وتضمن عودة الأخير لمنصبه على أن يمنح مطلق الحرية في تشكيل حكومته من الكفاءات الوطنية من دون استثناء الموقعين على اتفاق جوبا للسلام، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتشكيل لجنة قانونية لتعديل الوثيقة الدستورية لحسم عدد من البنود التي كانت محل خلاف بين المكونين، فضلاً عن الالتزام بالتحول المدني واكمال المرحلة الانتقالية في موعدها وصولاً لانتخابات حرة في يوليو (تموز) 2023.
ويأتي هذا الاتفاق، بعد موجة من الاحتجاجات التي اندلعت في العاصمة المثلثة ومعظم مدن السودان، ساندتها الجاليات السودانية في عدد من عواصم العالم، اعتراضاً على اجراءات البرهان، ومطالبة بعودة الحكم المدني، وراح ضحيتها ما لا يقل عن 40 قتيلاً وعشرات الجرحى، حسب إحصاءات لجنة اطباء السودان المركزية، نتيجة العنف المفرط من قبل الأجهزة الأمنية التي استخدمت الرصاص الحي لقمع هذه الاحتجاجات.
لكن ما رؤية القوى السياسية الفاعلة في الشارع السوداني، فضلاً عن تنسيقيات لجان المقاومة التي تقود الحراك الحالي منذ إعلان قرارات البرهان التي اعتبرتها انقلاباً عسكرياً كامل الأركان، من هذا الاتفاق السياسي؟
حكومة مستقلة
وقال رئيس حزب الأمة السوداني المكلف فضل الله بورما ناصر لـ “رويترز”، إن الجيش يعتزم إعادة رئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك إلى منصبه بعد التوصل إلى اتفاق في وقت متأخر، الليلة الماضية، وأضاف ناصر أن حمدوك سيشكل حكومة مستقلة من الكفاءات وسيتم إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في إطار الاتفاق بين الجيش والأحزاب السياسية المدنية، وقال ناصر إنه شارك في اجتماع، في ساعة متأخرة من مساء أمس، توصل خلاله وسطاء إلى اتفاق.
خطوة للأمام
وأوضح مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني للشؤون الولائية عبد الجليل الباشا، أن “الشارع السوداني أصبح بالفعل يتكلم عن سقف عال بتبني اللاءات الثلاث (لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية) مع العسكر، وله حق في ذلك بعد الجرائم والفظائع التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية منذ انقلاب البرهان في 25 اكتوبر بخاصة مليونية 17 نوفمبر التي راح ضحيتها 15 قتيلاً و80 جريحاً، وبالتالي مطلبه الأساس إزالة المكوّن العسكري من المشهد السياسي، لكن اعتقد، لو حصل هذا الاتفاق منذ اليوم الأول للانقلاب، لما كان تعقّد الوضع هكذا، لأن من الصعب احتواء الشارع في ظل هذه التطورات”.
ورأى الباشا أن مثل هذا الاتفاق يعتبر خطوة للأمام ستكسر الجمود والانسداد في العملية السياسية، باعتبار أن المطلب الأساس هو استعادة العمل بالوثيقة الدستورية والالتزام بالتحول المدني، لكنه استبعد موافقة كل الأحزاب السياسية على هذا الاتفاق ما لم تكن جزءاً من الحوار الدائر، لأنه، حتى مسألة تعديل الوثيقة الدستورية، تحتاج إلى حوار سياسي حولها للوصول لاتفاق حول نقاط الخلاف الحقيقية التي كانت سبباً في ما يحدث بين المكوّنين العسكري والمدني منذ التوقيع عليها في 17 أغسطس (آب) 2019.
وعن موقف حزب الأمة من هذا الاتفاق، أجاب مساعد رئيس حزب الأمة القومي، “لدى حزب الأمة رؤية واضحة وثابتة من هذه الأزمة، وهي لا بدّ من إطلاق المعتقلين السياسيين، واستعادة الوثيقة الدستورية، وإنهاء حالة الطوارئ، أي العودة إلى ما قبل قرارات البرهان، وفي ما يختص بهذا الاتفاق، فإن حزب الأمة يعمل في إطار تحالفات، وسيقوم بالتشاور مع حلفائه في الساحة السياسية، وبالتالي سيحدد كيف يتعامل مع هذا التطور الجديد”.
مدنية كاملة
في المقابل، أكد عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي السوداني صديق يوسف، أنهم ليسوا على علم بمثل هذا الاتفاق إطلاقاً، ولا بدّ من الانتظار للاطلاع عليه ومعرفة تفاصيله، لكن موقف الحزب في العملية السياسية واضح ولا رجعة فيه، هو أنه مع تسليم السلطة كاملة إلى المدنيين، من دون وجود العسكريين الذين مكانهم الثكنات الخاصة بالمؤسسة العسكرية، وهذا شرط أساس لأي اتفاق يمكن أن يكون الحزب الشيوعي جزءاً منه، كما أن الحزب يلتقي مع موقف الشارع السوداني الذي يقود الحراك الثوري، وملتزم بشعار اللاءات الثلاث (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية) مع العسكر.
اختراق مهم
في حين قال أبوبكر عبد الرازق، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي السوداني، “نعتقد أن ما قام به البرهان في 25 أكتوبر كان إخراجاً غير راشد، وغير مقبول، والمخرج السياسي فشل في إخراج العملية السياسية بشكل مرض إلى برّ الأمان، بل أدخل البلاد في أزمة سياسية لم يكن على دراية بعواقبها، والدليل على ذلك فشل خلال 25 يوماً من إصدار إجراءاته من تعيين رئيس وزراء لتشكيل حكومة جديدة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع عبد الرازق، “مع ذلك، نرى أنه إذا صح هذا الاتفاق السياسي، فلأنه خطوة ايجابية في الاتجاه الصحيح واختراق سياسي مهم، لأنه لا بدّ من إنهاء هذه الأزمة، التي يجب أن تتوّج ببسط الحريات بإطلاق جميع المعتقلين السياسيين من دون استثناء، وإطلاق مصالحة وطنية بمشاركة الجميع، وإلغاء حال الطوارئ، والدخول في تسوية شاملة تعدّل في مقتضاها الوثيقة الدستورية بعيداً عن الإقصاء، وإن كان المؤتمر الوطني (حزب عمر البشير)، لأنه لا يمكن أن يكون هناك حزب يحكم البلاد فعلياً، وهو خارج اللعبة إسمياً”.
إسقاط كامل
في سياق آخر، أوضحت عضوة تنسيقيات لجان مقاومة أم درمان الكبرى الناشطة الحقوقية إيمان حسن عبد الرحيم، أن أي اتفاق لا يقوم على أساس الإسقاط الكامل للمكوّن العسكري، لا يعني ولا يهم الشارع، في ظل ما حدث من جرائم، فالشارع سيمضي في ثورته ولن يتراجع أبداً عن شعاراته الأخيرة (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية) مع العسكر، وأكدت عبد الرحيم أن هذا الاتفاق سيوحّد الشارع، لأن هناك ضميراً إنسانياً وأخلاقياً يحتّم على الجميع بألا يثق ويتعامل مع المكوّن العسكري الذي ظل يمارس القتل والتعذيب والاعتقال بحق المواطنين الذين يمارسون حقهم في التظاهر السلمي المشروع، داعية القوى السياسية الوطنية إلى رفض أي اتفاق يقود لتسوية غير مجدية لأنه ثبت عدم الثقة في العسكريين، لأنهم دائماً ما يخونون الشارع، ولا يلتزمون بالعهود والمواثيق السياسية.
مبادرة وطنية
ويتم التداول بتعميم صحافي باسم المبادرة الوطنية الجامعة في السودان، يشير إلى التوصل إلى اتفاق بشأن عودة حمدوك لرئاسة الوزراء، ويشمل إطلاق جميع المعتقلين السياسيين، واستكمال المشاورات مع القوى السياسية باستثناء المؤتمر الوطني، بالإضافة إلى الاستمرار بإجراءات التوافق الدستوري والقانوني والسياسي الذي يحكم الفترة الانتقالية.
وأوضح بيان المبادرة أن الاتفاق سيعلن في وقت لاحق اليوم الأحد بعد التوقيع على شروطه والإعلان السياسي المصاحب له.
تواصل التظاهرات
وفي وقت تجري الترتيبات لمسيرة مليونية اليوم في العاصمة المثلثة ومدن السودان المختلفة، شهد عدد من أحياء وضواحي مدن الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، تظاهرات ليلية السبت، رفضاً للقرارات التي سبق أن اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين.
وتظاهر آلاف في الخرطوم ووضعوا حواجز على الطرق وأشعلوا إطارات، كما تم حرق مركز للأمن من دون أن يتضح على الفور المسؤولون عن هذه الحادثة، وهتف المتظاهرون بشعارات ضد الحكم العسكري، وأطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع في منطقة شارع “الستين” بعد أن حاول المحتجون إغلاق جزء من الشارع بالحواجز الإسمنتية والحجارة.
إدانات دولية
ودانت الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي حملة القمع الدامية ضد المحتجين، وطالب الخارجية الأميركية بمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين السلميين.
من جهته، قال الاتحاد الأفريقي الذي علّق عضوية السودان بعد الانقلاب، في بيان إنه يدين بأشد العبارات العنف الذي وقع الأربعاء، وطالب موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، السلطات بإعادة النظام الدستوري والانتقال الديمقراطي.
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com