هل تعود حركة "النهضة" إلى العمل السري؟


<p class="rteright">رجلا أمن أمام المقر الرئيسي لحركة "النهضة" في العاصمة تونس (أ ف ب)</p>
بينما يكتنف المشهد السياسي في تونس ضبابية لا أحد يمكنه التكهن بمآلاتها، بسبب حال الانقسام الحاد الذي يمزق البلاد وعزوف أغلب التونسيين عن المشاركة السياسية لفقدانهم الثقة بالسلطة والمعارضة، يتساءل المتابعون للشأن العام في البلاد عن مستقبل هذا الواقع ومصير المعارضة بمختلف مكوناتها السياسية والمدنية، في سياق يتسم بعدم اليقين والتخوين وتبادل التهم حول ما آلت إليه البلاد من أزمات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية.
وعجزت السلطة القائمة عن إيجاد الحلول البديلة لمنظومة اقتصادية أثبتت فشلها طيلة العقود الماضية، فارتفعت البطالة واتسعت خارطة الفقر والتهبت الأسعار بسبب التضخم.
ويدفع المواطن التونسي ثمن هذه السياسات وبات يبحث عن حلول الخلاص الفردي كالهجرة التي تطال مختلف القطاعات.
في هذه الأثناء، توغل السلطة في تضييق الخناق على المعارضة حتى خفت صوتها في الشارع ما يطرح تساؤلات حول مستقبلها خاصة بعد توقيف عدد من قياداتها وعلى رأسهم رئيس حركة “النهضة” راشد الغنوشي.
فهل تعود حركة “النهضة” إلى العمل السري؟ وما مصير المعارضة في تونس؟ مثل توقيف الغنوشي حدثاً رمزياً مشحوناً بالدلالات فالرجل رسم ملامح المشهد السياسي الذي حكم تونس طيلة عقد من الزمن بعد 2011.
كذلك حظرت السلطات أنشطة الحركة في مختلف مناطق البلاد وكذلك نشاط “جبهة الخلاص الوطني”، مستفيدة من نفور أغلب التونسيين من الأحزاب وخاصة تلك التي جثمت على الحكم لسنوات من دون تحقيق أي إنجازات اقتصادية واجتماعية.
النشاط السياسي مهدد
وفي السياق، يؤكد الصحفي والمحلل السياسي محمد صالح العبيدي، في تصريح خاص، أن “السلطة خنقت كل نفس معارض، وهو أمر اعتقدنا أننا تخلصنا منه بانتهاء منظومة حكم زين العابدين بن علي”، لافتاً إلى أن “المعارضة تتعرض لشتى أنواع المضايقات من أجل إخماد صوتها حتى تتفرد السلطة القائمة وتتحكم في المشهد”.
ولم يستبعد العبيدي أن “تكون بعض الأحزاب تنسق في ما بينها باستخدام وسائل خاصة للابتعاد عن شبهات اتهامها بالتآمر على أمن الدولة، وهي اتهامات جاهزة لتخويف الأصوات المعارضة، وهو ما يعني أن النشاط السياسي أو المدني بات مهدداً ما قد يدفع إلى العمل السري للأحزاب وهي ظاهرة تعود إلى عهد الديكتاتوريات التي لا تسمح بالنشاط السياسي خارج مربع السلطة”.
الحوار الممكن
في المقابل، يعتبِر كمال بن يونس، رئيس مؤسسة ابن رشد للدراسات العربية والأفريقية، أن إمكانية الحوار بين السلطة وبعض رموز المعارضة واردة وهو ما يُعبَّر عنه بـ”الخط الثالث الذي يضغط من أجل انفتاح السلطة القائمة على بعض المكونات السياسية والمدنية من أجل حل سياسي”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن “حركة النهضة بشكلها القديم وبرموزها المعروفة على الساحة في طريقها إلى الاندثار”، لافتاً إلى أن السلطة لم توقف كل قيادات الحركة، وهو ما يعني إمكانية الدخول في حوار مع بعض قياداتها من خارج دائرة الغنوشي، من أجل حياة سياسية جديدة بنخب مغايرة، خاصة وأن تونس مقبلة على انتخابات في 2024 والمشهد السياسي الراهن المنقسم لا يسمح بإجرائها في هذا الوضع”.
ويعتقد بن يونس أن “المشهد اليوم منقسم بين من يعتبِر أن وضع الحريات السياسية تدهور بصفة خطيرة ولا مجال للإصلاح وأن تنظيم حوار لإخراج تونس من أزمتها لا يجب أن يشمل رئيس الجمهورية قيس سعيد والجهات المحسوبة عليه، ومن يعتبر أن الوضع الراهن مستقر وخارطة الطريق التي أعلنها الرئيس تستكمل مسارها ويؤكدون أن المنظومة القديمة اندثرت ولا مجال لعودتها والبلاد تحتاج إلى نخب سياسية جديدة”.
النهضة مستعدة للحوار
من جانبه، أبدى فتحي العيادي رئيس مجلس شورى حركة “النهضة” في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، “استعداد الحركة للحوار من أجل إخراج تونس من أزمتها” مستبعداً لجوء الحركة إلى العمل السري، وشدد على أن “تأزم الوضع السياسي في تونس وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية سببه خيارات فاشلة للسلطة التي لن تستمر طويلاً بسبب عمق الأزمة”، بحسب تعبيره.
وأضاف أن “السلطة القائمة ممعنة في التضييق على المعارضة السياسية”، مرجحاً أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من الاعتقالات التي قد تشمل صحافيين ونقابيين ورجال سياسة، لافتاً إلى أن “الانقلاب استفاد من الوضع، وهو تشتت المعارضة السياسية في البلاد وهي ظاهرة موجودة حتى قبل 25 يوليو (تموز) 2021، وقد استثمرها قيس سعيد لوضع برنامجه وبدأ في تنفيذه”.
ودعا العيادي المعارضة إلى أن “تكثف مشاوراتها وتتضامن في ما بينها وتبلور مبادرة سياسية في الفترة المقبلة من أجل حلحلة الوضع السياسي في البلاد”.
العمل السياسي السلمي
من جهة أخرى، شدد العيادي على أن “حركة النهضة متمسكة بالعمل السياسي السلمي، ولن تذهب إلى العمل السري، لأنها ملتزمة بالقانون الذي ينظم الحياة السياسية ومنفتحة على أي مبادرة للحوار تضع حداً للأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بتونس”.
وكان مستشار رئيس حركة النهضة، رياض الشعيبي، أكد أنه “لا يمكن لحركة النهضة العودة للعمل السري في البلاد، رغم دفعها لذلك وحتى لو أدى الأمر إلى تعليق نشاطها”، مشيراً إلى أن الحركة هي أهم قوة سياسية تواجه “الانقلاب” وأكثر قوة سياسية دفعت ثمن ذلك بـ “التنكيل بقياداتها وغلق مقراتها”.
يذكر أن حركة النهضة عملت في السر لمدة 12 عاماً بين أعوام 1969 و1981، ثم أعلنت وجودها العلني في مؤتمر صحفي في يونيو (حزيران) 1981، لتبدأ السلطات الأمنية في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بملاحقة قادتها.
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com