واشنطن وانفجار السودان


<p class="rteright">الدخان يتصاعد خلال الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم بحري (رويترز)</p>

ما إن بدأت الاشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني حتى اشتدت أنظار المراقبين في واشنطن وسائر الغرب على التطورات الدراماتيكية الجارية في الخرطوم والتي امتدت تدريجاً إلى سائر المدن والمناطق في البلاد. ومن أهم ما رأيناه في العاصمة الأميركية والعواصم الأوروبية هو شبه انعدام فهم ما جرى ويجري أصلاً في العاصمة السودانية، فماذا تريد الأطراف وما يجب فعله؟ ومن أهم ما انتبهنا له هو امتناع الإدارة والأجهزة والإعلام عن تحذير الرأي العام بأن الصدام آت. إذ أنه من المفترض أن تراقب الأجهزة الاستخباراتية والدفاعية أي تحركات عسكرية أو أمنية في كافة المناطق للاستعداد للطوارئ. وبما أن التقارير الاستخباراتية الأميركية في هذا الموضوع لم تخرج بعد، فيجب الانتظار حتى عقد جلسات الاستماع في الكونغرس لمعرفة أحد الأمرين، إما أن الإدارة كانت على علم ولم تحذر الرأي العام كما فعلت قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، أما إنها لم تكن تعرف بالتفاصيل كما حدث عند دخول “داعش” إلى العراق في 2014. في الحالتين سيحاول الكونغرس معرفة الأسباب. والسؤال الأول سيكون حول مصلحة الولايات المتحدة في السودان وأجندة هذه الإدارة بالذات… ما هي؟

الأجندة الأميركية

السياسة الأميركية تجاه السودان تحت إدارة جو بايدن لا تختلف كثيراً عن سابقاتها، إلا ببعض الفوارق المتعلقة بدور القوات العسكرية. والذي يدير هذه السياسة هي البيروقراطية المتخصصة بأفريقيا أكثر من كبار المسؤولين في البيت الأبيض كما هو الحال في ما يتعلق بإسرائيل أو السعودية أو مصر. وعناصر الاهتمام الأميركي تنبثق مما يلي:

1. هناك إلتزام بنجاح الإصلاح المنبثق عن “الاتفاق الإطاري” ما بين العسكر والجبهة الثورية المدنية، لإقامة سلطة مدنية تلتزم بقراراتها السلطات العسكرية. وقد وافق على هذا البرنامج رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان ومعظم الفصائل السياسية، وإن لم تتحقق معظم المبادئ التي تم الاتفاق عليها. إلا أن واشنطن لم تكن جاهزة لمواجهة أزمة صراع بين القوى العسكرية، أي بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”. هذا الانفجار العسكري الداخلي غيّر المعادلات لدى الإدارة. وإذ يبقى هدف دفع القوى المدنية إلى الأمام باتجاه إقامة ديموقراطية ليبرالية مؤسساتية تشرف على قوات مسلحة موحدة، فإن الاصطدام الكبير بين جيشين، تقريباً، سيعدل في أولويات الولايات المتحدة، كما تراها وزارة الخارجية. لذا فالأمن بات الرقم الأول كهدف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

2. الأولوية الأمنية: منذ الأيام الأولى للاشتباكات تأكدت لدى أجهزة ووزارات واشنطن بعض الأمور التي حسمت ذهن الإدارة أن الانفجار العسكري سيتحول إلى كابوس أمني ما لم يضبط الصدام، وحتى الآن لم يضبط بعد. الأمر الأول وهو أن توازن القوة قد فرض نفسه. فمعروف عن الحروب الداخلية أنه إذا لم يحسم الموضوع خلال أسبوع فستطول الحرب على مدى أشهر وربما أكثر. فصحيح أن للجيش السوداني أسلحة وقدرات أكبر، ولكن “الدعم السريع” لديه ما يكفيه لشن حرب عصابات لمدة طويلة، وبالتالي بإمكان هذه القوة الرديفة أن تعطل الحل وتطيل المواجهة، وهو أمر تسعى الإدارة أن تتفاداه. فالبيت الأبيض ليس مسروراً بانفجار حرب جديدة في دولة عربية – أفريقية لها ساحل على البحر الأحمر وحدود مع الساحل الصحراوي. فأية حرب طويلة الأمد ستنهك قوى الغرب وتفتح ممرات أمنية للإرهابيين وقد يؤدي ذلك إلى وصول المتطرفين إلى المطارات والمرافئ السودانية وما يلي ذلك من نتائج خطيرة. إضافة إلى ذلك أن الطرفين سوف يسعيان للحصول على أسلحة وذخائر من الخارج مع احتمال التدخل الخارجي. ويخشى خبراء واشنطن أن تنهار حدود السودان الغربية إذا فشل الجيش بالسيطرة عليها، واختراق القاعدة و”داعش” وغيرهما من منطقة الساحل الهائلة عبر تشاد، وقد تتسلل هذه الجماعات من غرب ليبيا إلى دارفور والداخل السوداني.

3. العامل الروسي: من ناحية ثانية تخشى الإدارة أن يفتح الصراع العسكري في السودان باباً واسعاً أمام تمدد روسيا في المنطقة، ولا سيما في ظل  السباق الاستراتيجي بين القوتين في أفريقيا. إذ أن تقارير استخباراتية تؤكد على وجود علاقات بين مجموعة “فاغنر” وقوات الدعم السريع وإمكانية دخول قوات خاصة روسية إلى السودان عبر مطارات وربما مرافئ تسيطر عليها. هذا وكانت موسكو قد ضغطت مراراً على الخرطوم للحصول على قاعدة بحرية في بورتسودان أو بناء قاعدة مشركة مع الصين على ساحل البحر الأحمر. وما يقلق واشنطن هو أن روسيا لها مداخل مع طرفي القتال وبالتالي قد تكون قادرة أن تصل إلى ما تريده في النهاية. وتذهب التكهنات إلى حد التصور بأن الكرملين قد يحاول التوسط بين طرفي الصراع مما يعني انتشال السودان من دائرة النفوذ الغربي إلى دائرة النفوذ الروسي – الصيني.

4. المحاور: الصراع في السودان يعود ويطرح معادلة معقدة على واشنطن دبلوماسياً. فما يتبين الآن أن دولتين عربيتين لهما قدرة في التحرك حيال الأزمة في السودان، أكثر من غيرهما. أولاً مصر بحكم حدودها الطويلة مع الدولة السودانية وقدرتها العسكرية العالية للتحرك في مهمات سلام جنوباً إذا قبلت بدور ما بمشاركة أطراف أخرى. فقواتها هي الأقرب للوصول إلى العمق السوداني إذا لزم الأمر. أما الدولة الأخرى التي لديها النفوذ الدبلوماسي والدور القيادي بالنسبة لأكثر من 50 دولة إسلامية وعربية فهي السعودية، وهي موجودة على مسافة قصيرة في المقلب الآخر من البحر الأحمر. وعلى الرغم من العلاقة التاريخية بين الجيشين السعودي والسوداني، فالرياض أبقت موقفها في خانة المحايد الإيجابي لتحتفظ بورقة الحكم بين الطرفين إذا لزم الأمر.

لذا تجد واشنطن نفسها ملزمة باللجوء إلى شريكتين عربيتين، هما السعودية ومصر للحفاظ على مصالحها وعلى الاستقرار في المنطقة. من هنا باتت إدارة بايدن بحاجة ماسة للرياض والقاهرة لمنع الانفجار الأكبر على أرض السودان.

subtitle:
تخشى الإدارة الأميركية أن يفتح الصراع العسكري الباب واسعاً أمام التمدد الروسي في المنطقة
publication date:
الثلاثاء, أبريل 25, 2023 – 03:30

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com

Recent Posts

تصعيد جديد فجراً: استهداف غرف جاهزة في الجنوب

مرجعيون - استهدفت مسيّرة معادية فجرا، عددا من الغرف الجاهزة في محيبيب.

ساعة واحدة ago

من مسقط إلى روما: إيران تفتح باب التفاوض مجددًا مع واشنطن

أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية موافقة طهران على مقترح مسقط عقد جولة مفاوضات خامسة مع واشنطن…

ساعة واحدة ago

القوات” مرجعيون – حاصبيا : نلتزم الحياد تجاه اللائحتين في راشيا الفخارونترك القرار للناخبين

صدر عن منطقة مرجعيون - حاصبيا في "القوّات اللبنانيّة"، بيان، لفت الى انه "أمام الاستحقاق…

18 ساعة ago

تجمع “أصحاب الحملات للحج والعمرة الفلسطينية” في لبنان ناشدوا بخاري العمل لقبول العدد المتبقي من الحجاج الفلسطينيين للموسم

عقد "تجمع أصحاب الحملات للحج والعمرة الفلسطينية في لبنان" مؤتمرا صحافيا، ظهر اليوم في دار…

18 ساعة ago

افتتاح معرض المنتدى الثاني للفنون والعمارة عن غزة في “مجمع الرئيس ميشال سليمان الجامعي” في راسمسقا – الكورة

نظمت كلية الفنون والعمارة - الفرع الثالث معرضا للمنتدى البصري الثاني للفنون والعمارة للفنان مصطفى…

19 ساعة ago