التونسيون يواجهون برد الشتاء بـ"القشابية" و"البرنوس"

<p>يعود لباس القشابية والبرنوس في تونس إلى مئات السنين&nbsp; (اندبندنت عربية)</p>

شتاء تونس الذي يميزه برد المناطق الجبلية ورطوبة السواحل وقسوة برد الصحراء، ثلاثية نسج من خلالها التونسيون لباسهم التقليدي لمواجهة الطبيعة القاسية في أشهر الشتاء، ممثلاً في “القشابية” و”البرنوس” اللباس التقليدي الذي يعود إلى مئات السنين واختفى من واجهات المحال التي تبيع الملابس الجاهزة الحديثة، لكن كثيراً من التونسيين يرتدونها على الرغم من قلة المحال التي تبيعها وانحسار النساجين صناعها.

البرنوس مفخرة أهل الصحراء

في مناطق الجنوب التونسي يعد البرنوس بحسب لونه ونوعيته أحد أمثلة التميز الاجتماعي، ويختلف في نوعيته من القطن إلى الصوف وفي أعلى الهرم يتربع برنوس وبر الجمل الذي يتميز بخفة وزنه وبما يؤمنه من دفء في مواجهة برد الصحراء.

يقول محمد العربي، من ولاية توزر الصحراوية، التي ينتشر لدى أعيانها لبس البرنوس الأبيض، إنه “يرمز لقيمة مضافة في المدينة والمنطقة التي عرف أهلها بأنهم أهل العلم والقضاء، وكان برنوس الصوف الأبيض يرمز لهم في أسواق وشوارع مدن منطقة الجريد ومدن توزر ونفطة، التي خرج منها كبار رجال العلم والقضاء والأدب، وأشهرهم شاعر تونس أبو القاسم الشابي، وللأسف فإن صناعة البرنوس في منطقة الجريد تكاد تندثر”.

أما يوسف القسام، تاجر السجاد القديم في وسط سوق الترك بمدينة تونس، فيقول، “إن البرنوس القطني من الأنواع التي يُقبل عليها الناس نظراً لرخص أثمانها وألوانها المختلفة، أما المصنوع من الصوف فهو أغلى ثمناً وأقل وزناً يلبسه أهل العلم من المشايخ وكان يلبسه أهل القضاء الشرعي بينما المصنوع من وبر الجمل فهو قليل وسعره مرتفع”.

هيبة البرنوس

في سوق اللفة يجلس محمد الماكني، أحد كبار معلمي خياطة البرنوس والجبة التونسية التقليدية، ويصفها “باللباس الرسمي في الاحتفالات والأعياد الرسمية والأفراح والمناسبات، ويقبل على شرائها التونسيون والأجانب أيضاً”. يضيف، “تختلف أسعار البرنوس بحسب النوعية وسعر المصنوع من وبر الجمل يقارب 2200 دينار تونسي (750 دولاراً أميركياً)، أما البرنوس الأبيض المعروف باسم (الجريدي) يتراوح سعره في حدود 1200 دينار (430 دولاراً) وصناعته يدوياً على (السداية) النول وتفصيله وخياطته تحتاج إلى وقت قد يصل إلى شهرين لأن العمل من بدايته لنهايته يتم يدوياً”.

عاشق القشابية

وسط نهج زرقون، أحد أشهر أزقة مدينة تونس العتيقة كان المواطن البريطاني جيرالد روبنسون المقيم في تونس منذ 20 عاماً يسير مرتدياُ قشابية تقليدية، أضاف لها صانعها لمسة فنية حولتها إلى تحفة تثير اهتمام الناظرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جيرالد قال في تصريح خاص، “إن تجربته مع القشابية التونسية لا تقف حدودها عند تونس فعندما أذهب إلى بريطانيا يسألني كثيرون بإعجاب من أين اشتريتها؟ بخاصة العرب والآسيويين المقيمين في لندن”. وأضاف “أنه تعود على لباسها شتاء وأنها تمنح الدفء ولا تعطل الحركة”، واعتبر “أن هذه النوعية من الملابس الجميلة يمكن أن تجد لها أسواقاً واسعة في دول أوروبا، لأن الشباب يبحث عن نوعيات جديدة تثير الاهتمام وتخرج عن نمط الملابس السائدة في الأسواق حالياً”.

الشباب يبحث عن الجديد

على الرغم من أنه كان يرتدي قشابية جميلة ويرافق جيرالد في مشواره داخل أزقة مدينة تونس القديمة، قال الشاب نزار زروق، “إن ما أثار اهتمامه فيها التغييرات التي أدخلت عليها من حيث اللون، كما أن الرسوم التي طبعت عليها أضفت رونقاً وجمالاً إضافياً لنوعية ممتازة مصنوعة يدوياً وتعطي الدفء في الشتاء، وجزء من اختياري لهذه النوعية من الملابس لها علاقة بالحنين للعادات والتقاليد”. وأضاف، “الشباب أثار اهتمامهم النوعية الجديدة من القشابية بعد تطويرها وتغيير الألوان والتصميم، وهذا لو تم التركيز عليه سيفتح أسواقاً للصناعات التقليدية في تونس والعالم”.

القشابية حكاية

تلك التي تحمي من برد المناطق الجبلية القارس، وتصنع من الصوف وتنسج على نول صناعة الزربية “السجاد” اليدوي، تعود أصولها بحسب عبد الرحمن بن سالم، أحد أشهر باعة المنتجات الصوفية التقليدية في سوق البلاغجية الشهير في مدينة تونس، إلى الجزائر، ومنطقة واد صوف، “وتحولت مع الوقت إلى لباس أهالي المناطق الجبلية الحدودية بين تونس والجزائر، وبعد أن تراجع الاهتمام بها أمام غزو الملابس المصنعة كان لزاماً علينا أن نحاول الابتكار والتغيير في تصميمها وشكلها لتكون مناسبة للنساء والرجال ونجحنا في ذلك”.

من جهتها تقول سلوى بالسودة، مصممة القشابيات الجديدة، “إن إحياء هذه المهنة أسهم في تشغيل عشرات النساء في منازلهن ورجعن لنسج الصوف على النول (السداية)، وهي من العادات المعروفة لدى العائلات، وتصميم وخياطة القشابية يحتاج إلى نصف يوم عمل، ما خلق حركية تجارية أثارت اهتمام السياح الأجانب والتونسيين الذين أقبلوا عليها”.

سوق رابحة رغم الأزمة

مثل كل القطاعات التجارية يعيش تجار السوق تبعات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس، يقول التاجر منصف الخماسي، “إن تجارة الملابس التقليدية البرنوس والقشابية ناجحة والطلب عليها متوازن لكن الظروف الاقتصادية التي يعيشها المواطن تجعل الأولويات تتغير، وهذا ما يعاني منه كثير من التجار جراء ذلك، لكن هذا لا يمنع من القول إن الملابس التقليدية على الرغم من منافسة الملابس الجاهزة تحظى بقبول ورضى المستهلكين، ولولا أنها تجارة رابحة لما وجدت عدداً كبيراً من المحال والتجار يبيعونها”. 

subtitle:
رغم رواج الملابس العصرية في الأسواق لا يزال اللباس التقليدي ينافس بقوة
publication date:
السبت, يناير 29, 2022 – 17:45

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com

AymanSerhan

Recent Posts

فئة الـ 500 ألف ليرة قريبا في الأسواق

عاد الحديث مُجددا عن إمكانية طباعة أوراق نقدية من فئات جديدة بالليرة اللبنانية وذلك بعد…

أسبوع واحد ago

مجزرة المسعفين برفح.. الناجي الوحيد يروي ما شاهده من جريمة الاحتلال

أكد مسعف فلسطيني كان موجودًا في واقعة استشهد فيها 15 من زملائه في جنوب غزة…

أسبوع واحد ago

الحرارة تتخطى الـ32 درجة الثلاثاء!… فكيف سيكون طقس الأيام المقبلة؟

طقس ربيعي مستقر نسبياً يسيطر على لبنان والحوض الشرقي للمتوسط حتى اليوم الأحد حيث تتأثر…

أسبوع واحد ago

3 جرحى بخلاف فردي في الشرحبيل

أفادت "الوكالة الوطنية للاعلام"  أن خلافا فرديا في منطقة الشرحبيل بين عدد من الاشخاص، استخدمت…

أسبوع واحد ago

لبنانيّون يتلقّون رسائل مزيّفة لإعانات مالية بالدولار… والأمن العام يُحذّر! (صورة)

أعلنت المديرية العامة للامن العام اللبناني، أنّه "تبيّن أخيراً أن عدداً كبيراً من المواطنين تلقّى…

3 أسابيع ago

لبنان في قلب الموجة “الحارة”… والأسبوع الأول من نيسان يحمل “المفاجأة”: فاستعدوا!

يشهد لبنان والحوض الشرقي للمتوسط تأثير رياح خماسينية دافئة قادمة من شمال إفريقيا، محملة بالغبار،…

3 أسابيع ago