العالم قد يترقب انفجار فقاعة الديون في 2023

<p>حذر صندوق النقد من ارتفاع فاتورة خدمات القروض وعدم توفير التمويل للدول الفقيرة&nbsp; (أ ف ب)</p>

مع اقتراب العام الحالي من نهايته بعد أيام تسود توقعات في الأسواق بأن أداءها العام المقبل سيشهد اضطرابات ربما أكثر مما شهدته خلال 2022. ومع تركيز المحللين والإعلام الاقتصادي حول العالم على أسواق الأسهم، يرى عدد من الاقتصاديين أن الخطر الأكبر الذي يهدد الاقتصاد العالمي العام المقبل 2023 يأتي من فقاعة الديون الهائلة، سواء السيادية على الحكومات أو ديون الشركات.

وتقدر أغلب المؤسسات الدولية أن دين العالمي ارتفع هذا العام إلى نسبة 352 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي أن العالم اقترض أكثر من ثلاثة أضعاف اقتصاده ليصل حجم الدين العالمي إلى ما يزيد على 305 تريليونات دولار.

وغالبا لا يشكل الاقتراض مشكلة، طالما الاقتصاد ينمو بالقدر الكافي، والمثل الأوضح على ذلك هو أن أكبر مديونية عامة في العالم تقليديا هي في الولايات المتحدة. لكن لأن الاقتصاد الأميركي ينمو بمعدل جيد وبالتالي لديه المرونة الكافية فلا يشكل الدين أي خطر. أما الآن وفي ظل تزايد الديون في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتباطؤ النمو الاقتصادي بشكل حاد يقترب من الصفر (نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني في النصف الأول من هذا العام 0.4 في المئة) تشكل الديون فقاعة في غاية الخطورة يهدد انفجارها بأزمة عالمية.

توقعات الإفلاس

في مايو (أيار) من هذا العام، أعلنت سريلانكا التخلف عن سداد دينها العام (إفلاس) بعدما فشلت في تغطية 78 مليون دولار من الفوائد المستحقة على دينها السيادي، حتى بعد فترة سماح لمدة 30 يوماً. وسلط الخبر الضوء على أزمة الدين العالمي التي تنتظر شرارة الانفجار. وأصدر صندوق النقد الدولي تقريرا حول الدول الأكثر عرضة لخطر الإفلاس (عن التخلف عن سداد مستحقات ديونها) والتي تزيد على 50 دولة.

كما أصدر بنك التسويات الدولية، الذي يوصف بأنه البنك المركزي العالمي، ومؤسسة التمويل دولية تقارير مماثلة عن مخاطر الدين العالمي والدول ذات المديونيات العالية إلى حد الخطر. كما بدأت مؤسسات أخرى ومراكز البحوث في البنوك الاستثمارية الكبرى تصدر تقارير حول ديون الشركات، وتتجاوز بكثير ديون الحكومات العامة.

وفي الأشهر الأخيرة من العام، تعرضت أسواق السندات حول العالم إلى هزة عنيفة وأخذ العائد على سندات الدين في الارتفاع. ويتناسب العائد عكسياً مع سعر السند، أي أن قيمة السندات أخذت في الانهيار تحت ضغط موجات بيع هائلة.

في ذلك الوقت، أي في صيف هذا العام نشرت مجلة “الإيكونوميست” تقريرا مطولا حول تفاقم أزمة الديون العالمية، عرضت فيه لوضع 53 دولة حول العالم تواجه خطر الإفلاس، أي التخلف عن سداد خدمة ديونها من فوائد وأقساط. وبمقارنة معدلات العائد على السندات السيادية لتلك الدول، جاءت أوكرانيا في المقدمة. وذلك مفهوم في ظل الحرب التي بدأت نهاية فبراير (شباط) وأصابت الاقتصاد الأوكراني بشبه شلل. وتلت إثيوبيا أوكرانيا في الترتيب من حيث المخاطر، ثم السلفادور وتونس. ومن بين الدول في أعلى القائمة جاءت غانا والسلفادور ومصر وأنغولا والأرجنتين وباكستان وكينيا والغابون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومما يفاقم من مشكلة الديون، واحتمالات التخلف عن سداد خدمتها من فوائد وأقساط، استمرار البنوك المركزية حول العالم في رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم الذي وصل إلى معدلات غير مسبوقة منذ نحو أربعة عقود. وتؤدي الزيادة في نسبة الفائدة الأساسية إلى ارتفاع كلفة خدمة الدين العام ما يثقل كاهل ميزانيات الحكومات أكثر. يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد العالمي يتباطأ نموه بشدة ويكاد يجمع المحللون الاقتصاديون على احتمال حدوث ركود اقتصادي عالمي العام المقبل 2023.

ورغم أن تراجع إصدار سندات الدين السيادي عالميا أدى إلى انخفاض طفيف في حجم الدين العالمي قبل ثلاثة أشهر، إلا أنه يظل عند حدود خطرة خاصة بالنسبة للدول التي  نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها عن 80 في المئة.

خطر الصين

لا تقتصر المخاطر على احتمال إفلاس عدد من الدول النامية التي ترزح تحت عبء دين هائل، وإنما تتجه الأنظار بقوة حالياً نحو الصين التي وصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها إلى 295 في المئة. ومنذ عامين، تقدمت الصين على الولايات المتحدة في حجم المديونية لتصبح لديها أكبر دين عام بالنسبة لحجم اقتصادها.

ويقدر بنك التسويات الدولية حجم القروض للقطاعات غير المالية في الصين بنحو 52 تريليون دولار. أما الدين الحكومي (السيادي) الصيني فقد وصل إلى أعلى مستوى له على الاطلاق عند 4 تريليونات يوان (570 مليار دولار) خلال 2022.

لكن ما يجعل الأسواق والمحللين يركزون على مشكلة اليون في الصين، واحتمال أن تكون شرارة انفجار أزمة دين عالمي العام المقبل، هو ديون الشركات الصينية الخارجية. وحين سرت إشاعة هذا الشهر بأن رئيس أكبر مجموعة تطوير عقاري في الصين، “إيفر غراند”، “هوي كا يان” أقدم على الانتحار لم يصدق أحد ذلك واعتبر كثيرون انتحاره مسببا. وكانت المجموعة جرس إنذار لديون الشركات الصينية حين تخلفت في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي 2021 عن سداد التزامات ديون بنحو 1.2 مليار دولار.

وجرت المجموعة قطاع العقار الصيني إلى مسار تدهور وتدخلات حكومية في محاولة لإعادة هيكلة القطاع والتخلص من حجم ديونه الهائلة. ونتيجة ذلك اتضح مدى انكشاف الدائنين والمقرضين حول العالم على حجم سندات دين هائلة للشركات الصينية. كان حجم مديونية الشركات الصينية في الخارج مطلع هذا العام 870 مليار دولار. وحاولت الحكومة على مدى العام خفض ذلك إلى نصف تريليون دولار (500 مليار دولار).

لذا، كانت نسبة 85 في المئة من التخلف عن سداد خدمة الدين للشركات الصينية عن دين خارجي. ومع أن الصين لديها أكبر احتياطي أجنبي في العالم (يصل إلى 3 تريليونات دولار) إلا أن أكثر من نصف ذلك الاحتياطي عبارة عن استثمارات أجنبية مباشرة، أي تدفعها الصين لأصحابها في حال خروج الاستثمار الأجنبي المباشر من البلاد وهو ما بدأ يحدث هذا العام. وبالتالي فإن خدمة ديون الشركات الصينية الخارجية لن يجعل المتبقي من احتياطي الصين الأجنبي أكثر من 500 مليار دولار.

مخاطر الركود

إذا استمر الاقتصاد الصيني في التباطؤ، ودخل الاقتصاد الأميركي في ركود حتى إن كان أقل عمقاً مما تشهده بريطانيا حالياً من ركود فإن أزمة الدين العالمي ستتفاقم أكثر. وحسب ما بدا من اجتماعات البنوك المركزية الرئيسية للمرة الأخيرة في 2022 هذا الشهر فإن اتجاه تشديد السياسة النقدية مستمر. بل إن البنك المركزي الأوروبي ألمح إلى احتمالات رفع سعر الفائدة بمعدلات أكبر في 2023.

ويعني ذلك مزيداً من الضغط على اقتصاد دول منطقة اليورو، المتراجع أصلا وبالتالي يفاقم من مشكلة الديون الأوروبية. وستكون العيون مركزة أكثر في تعاملات بداية العام القادم على أسواق السندات، باعتبارها مؤشرا على مسار أزمة الديون في العالم خاصة في الاقتصادات النامية والصاعدة.

وفي حال تباطأ النمو الاقتصادي أو انكمش أكثر واستمر التشديد في سوق السندات لن تتمكن كثير من الدول من الاقتراض لتغطية مدفوعات خدمة الدين وبالتالي زيادة احتمالات التخلف عن السداد (الإفلاس). وذلك هو الخطر الذي يخشى منه كثيرون أن يكون سببا في أزمة اقتصادية عالمية ربما تتجاوز الأزمة المالية العالمية التي جرت في 2008.

subtitle:
وصل حجمها لأكثر من 305 تريليونات دولار وتضاعفها لدى الحكومات والشركات يهدد بالركود
publication date:
الثلاثاء, ديسمبر 27, 2022 – 05:00

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com

AymanSerhan

Recent Posts

تزامنا مع العاصفة الرملية المرتقبة..الدفاع المدني يوجّه تحذيراً وتنبيهاً هاماً مع تعليمات لتفادي المخاطر

حذرت المديرية العامة للدفاع المدني المواطنين من مغبة إشعال النيران في المناطق الحرجية أو المحاذية…

يومين ago

من هو المستهدف في غارة بعورتا صباح اليوم؟ (صورة)

استشهد صباح اليوم الشيخ حسين عزات عطوي، من بلدة الهبارية – قضاء حاصبيا مرجعيون، في…

يومين ago

الجيش يودّع شهداء الواجب الثلاثة بمراسم مهيبة في مستشفى الشيخ راغب حرب

اقيمت قبل ظهر اليوم، مراسم تكريمية ووداعية في باحة مستشفى الشيخ راغب حرب في تول…

3 أيام ago

تقرير يكشف أسرار الحرب: كيف استخدمت إسرائيل أمنها واستخباراتها ضد حزب الله؟

نشر موقع “الخنادق” المعنيّ بالدراسات الإستراتيجية والأمنية تقريراً جديداً تحدّث فيه عن الجوانب الأمنية والاستخباراتية…

أسبوع واحد ago

فئة الـ 500 ألف ليرة قريبا في الأسواق

عاد الحديث مُجددا عن إمكانية طباعة أوراق نقدية من فئات جديدة بالليرة اللبنانية وذلك بعد…

أسبوعين ago

مجزرة المسعفين برفح.. الناجي الوحيد يروي ما شاهده من جريمة الاحتلال

أكد مسعف فلسطيني كان موجودًا في واقعة استشهد فيها 15 من زملائه في جنوب غزة…

3 أسابيع ago