الاستعدادات لمواصلة الحرب على وقع دعوة كييف إلى "قمة سلام"

<p>دباباتان أوكرانيتان متمركزتان في شرق البلاد، الخميس 29 ديسمبر الحالي (أ ف ب)</p>

تشهد الأوساط السياسية المحلية والدولية تناقضات عدة يضيع بين ثناياها ما يتردد من دعوات إلى وضع حد للقتال الدائر للشهر الـ 10 على التوالي مع الجنوح نحو المفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني سعياً إلى التوصل لحلول تكفل لكل منهما الحد الأدنى من مطالبه. 

وعلى رغم اتساع الهوة بين ما يطرحه الجانبان من شروط على النحو الذي يشي باستحالة التوصل إلى حل وسط، فإن هناك ما يشير إلى أنهما باتا أقرب من أي وقت مضى لقبول فكرة الجلوس إلى مائدة المفاوضات، وذلك كله يأتي مواكباً لتصاعد استعدادات الجانبين للمضي قدماً على صعيد المواجهات العسكرية التي اشتعلت بينهما منذ تاريخ بدء “العملية العسكرية الروسية الخاصة” في أوكرانيا خلال فبراير (شباط) الماضي.

وها هي موسكو وفي الوقت الذي تواصل حديثها عن استعدادها للمحادثات من دون التنازل عما استولت عليه من أراض، تواصل بذل قصارى جهدها من أجل مزيد من دعم ترسانتها العسكرية وإعادة بناء البيت من الداخل تحسباً لما قد تفرضه الأوضاع من متغيرات ومقتضيات، ومن ذلك ما كشفت عنه من افتتاح مراكز التدريبات العسكرية للشباب لدى المؤسسات التعليمية على وقع ما تحرزه قواتها من “تقدم بطيء”، على صعيد استعادة ما سبق وتخلت عنه من أراض في جنوب شرق أوكرانيا.

وعلى الجانب الآخر كشفت كييف عن “خطة سلام” جرت مناقشتها خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لواشنطن في وقت تواصل حشد قدراتها العسكرية وطلب مزيد من الدعم المالي والعسكري، وهو ما حصلت على وعود بتقديمه من جانب الإدارة الأميركية وعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر القليلة المقبلة.

مزيد من التعقيدات

وهكذا تشير الأوضاع الراهنة، وبما تحفل من تناقضات وعناصر توتر، إلى احتمالات كثير من التعقيدات التي لا يخفف من حدتها ما يتطاير من أنباء تقول بوجود “خطة سلام”، كشفت نتائج زيارة زيلينسكي لواشنطن عن بعض ملامحها. وكانت الحكومة الأوكرانية أعلنت أنها تود عقد “قمة سلام” بحلول نهاية فبراير (شباط) المقبل تحت إشراف الأمم المتحدة. وقال زيلينسكي إنه ناقش مع الرئيس الأميركي جو بايدن فكرة عقد مؤتمر دولي لمناقشة ما تطرحه كييف من مقترحات، ومنها ما سبق وكشف عنه من مطالب بضرورة العودة لحدود عام 1991، أي إلى تاريخ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، ومحاكمات عن جرائم الحرب في محكمة دولية والتزامات بتعويضات مالية وضمانات أمنية لاحقة.

ويذكر مراقبون أن الرئيس الأوكراني سبق وأصدر مرسوماً ينص على “استحالة إجراء مفاوضات مع القيادة الروسية الحالية” إلى جانب تأكيده على أن سلطات كييف “لن تجري حواراً مع موسكو حتى تتغير السلطة في روسيا”.

وذلك كله لا بد من أن يصطدم بما أعلنته موسكو حول ضرورة المحادثات من دون قيد أو شرط مع إيضاحات كثيرة تتوالى مع كل يوم جديد، وكان آخرها ما أعلنه المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف حول أن تصريحات الرئيس زيلينسكي في شأن التسوية السلمية لا تراعي الحقائق الحالية، أي ضم روسيا للمناطق الأوكرانية الأربع في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى جانب ما قاله حول رفض موسكو إجراء محادثات بناء على شروط الآخرين، بما يعني ضمناً رفض ما يطرحه زيلينسكي جملة وتفصيلاً، والتشكيك في قدرات السياسيين الحاليين في أوكرانيا ممن يتهمهم بالإغراق في كراهيتهم للروس، على التفاوض.

خطة كييف للسلام

أما عن تفاصيل ما تقترحه كييف في إطار “خطتها للسلام”، فقد أماطت صحيفة “وول ستريت جورنال” اللثام عن بعض جوانبها نقلاً عن مصادر أميركية وأوروبية، وقالت إن السلطات الأوكرانية تعمل على تفاصيل مقترحات لتسوية سلمية للنزاع يمكن تقديمها في فبراير 2023.

وبحسبهم فإن “فريق الرئيس الأوكراني يعمل على تفاصيل الخطة التي تتكون، كما ورد سابقاً، من 10 نقاط، ومنها ما ينص على عودة وحدة أراضي أوكرانيا واحترام ميثاق الأمم المتحدة والتعويض عن جميع الأضرار ومعاقبة كل مجرمي الحرب وتقديم ضمانات بعدم تكرار ذلك”.

وثمة من يقول إن ما يحتدم من جدل حول هذه القضايا يكشف عن أخطاء شابت سياسات الجانبين وأسفرت عما وصلت إليه المنطقة والعالم من أوضاع تفرض ضرورة التفكير في سياسات مغايرة، وها هم الأوكرانيون ممن يشاركون في البرامج الحوارية على شاشات التلفزيون الروسي ممثلين لوجهات نظر بلادهم، يتحولون إلى المطالبة بضرورة الجلوس إلى مائدة المفاوضات حقناً للدماء وللحيلولة دون مزيد من الخراب والضحايا من الجانبين.

واللافت أن أكثر هذه الشخصيات التي لطالما عُرف عنها كثير من التشدد في دفاعها عن سياسات الحكومة الأوكرانية وانتقاداتها لسياسات موسكو وما تقوم به من عمليات عسكرية في الأراضي الأوكرانية، تتحول اليوم صوب ضرورة التوجه سريعاً نحو فتح حوار بين روسيا والولايات المتحدة من أجل إعداد الأرضية اللازمة لإجراء محادثات روسية – أوكرانية، والبحث عن حلول وسط تحفظ للجانبين “ماء الوجه”،  ومن المثير في هذا الشأن ما يصدر اليوم عن هذه الشخصيات الأوكرانية من إدانة لواشنطن والأوساط الغربية التي وقفت وراء تحريض أوكرانيا ودفعها إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا تصفية لحسابات قديمة، ولعل ذلك يفتح باب الأمل في اختزال مساحات الخلاف التي تفصل بين مواقف الجانبين والحد من التصريحات التي تزيد من اتساع الهوة وتأجيج الخلافات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حوار أميركي – روسي

وفي هذا الصدد تتعالى أصوات تقول إن المحادثات “المرتقبة” صارت في أمس الحاجة إلى مناقشة تفاصيلها في حوار أميركي – روسي تطالب به الأوساط السياسية المحلية والعالمية، وإن كان هناك من يقول باحتمالات أن يكون ما جرى منه خلف الأبواب المغلقة، وراء ما جرى تسريبه من بنود “خطة السلام” التي ناقشها بايدن مع زيلينسكي خلال زيارة الأخير إلى واشنطن. 

وثمة مؤشرات تقول بوجود خلافات بين البلدان الغربية حول هذه القضايا بعدما بات كثير منها أسير ما يصدر من تعليمات عن الإدارة الأميركية، وذلك ما أشارت إليه “وول ستريت جورنال” التي قالت إنه “على رغم حقيقة أن قادة الاتحاد الأوروبي وعدوا أوكرانيا بالفعل بمليارات الدولارات، فلا يزال يتعين عليهم إدراك التلميحات القادمة من واشنطن في شأن استراتيجية الأشهر المقبلة حول مقدار المساعدة وكمية الأسلحة التي يجب أن تتلقاها كييف، وخطر التصعيد وما هي التنازلات التي يمكن أن تقدمها أوكرانيا.” 

صوت العقل

على أن ذلك لا ينفي تصاعد الأصوات التي تتسم بقدر كبير من البراغماتية والعقلانية والموضوعية، بحسب تقديرات مراقبين كثر، ومنها ما يصدر عن رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان، ففي تصريحات أدلى بها إلى صحيفة “ماغيار نيمزيت” (Magyar Nemzet) كشف أوربان عن إدراكه لدقائق الموقف في قوله “إن السلام في أوكرانيا سيأتي عندما تريده الولايات المتحدة”، بل ومضى إلى ما هو أبعد بتأكيده أن “أوكرانيا لن تستطيع مواصلة القتال إلا إذا واصلت الولايات المتحدة دعمها بالمال والسلاح”.

أما عن السلام وما يتناثر من تصريحات حول آفاقه ومضامينه فقد قال أوربان “إن ذلك كله لن يتحقق إلا إذا أخلصت الإدارة الأميركية في رغبتها وقرارها حول التوصل إلى السلام”، وذلك ما يبدو أنه جاء على غير وفاق مع توجهات السلطات الأوكرانية التي لا تكن كثيراً من المودة لأوربان منذ اتخاذه موقفاً مغايراً لما كانت تطلبه كييف من كل بلدان الاتحاد الأوروبي.

وبعد فاصل من الاتهامات التي لم ينج منها أوربان، أوصت وزارة الخارجية الأوكرانية في بيان أصدرته بهذا الشأن بأن “يسأل الزعيم المجري نفسه عما إذا كان يريد السلام”.

وعلى رغم ما نعتته به من “قصر النظر”، فقد استطردت الخارجية الأوكرانية لتقول إنه “إذا كان الجواب نعم فإنه يحتاج إلى استخدام علاقاته الوثيقة مع موسكو لوقف عدوانها على أوكرانيا وسحب قواتها”. وجاء ذلك مواكباً لما كشف عنه ممثلو بعض فصائل المعارضة في النمسا ومنهم مفوض الشؤون الاقتصادية في الكتلة البرلمانية لحزب الحرية النمسوي إروين أنغير الذي دعا حكومة بلاده إلى تنظيم استفتاء وطني حول دعم السكان لنظام العقوبات ضد روسيا. 

وإذ أشار إلى ضرورة حماية مصالح مواطنيه وتأمين ضماناتهم الاجتماعية، أكد ضرورة أن يدرك الاتحاد الأوروبي والحكومة النمساوية مغبة مثل هذه السياسات، وذلك ما يجب التوقف عنده بكثير من البحث والتمحيص ما بين سطوره من دون إغفال ما أشارت إليه “وول ستريت جورنال” حول “حقيقة أن قادة الاتحاد الأوروبي وعدوا أوكرانيا بمليارات الدولارات، وضرورة إدراك هذه القيادات لتبعات التلميحات الصادرة عن واشنطن في شأن استراتيجية العمل خلال الأشهر المقبلة، ومقدار المساعدة وكميات الأسلحة التي يجب أن تتلقاها كييف وأخطار التصعيد، وما هي التنازلات التي يمكن أن تقدمها أوكرانيا”، وهو أيضاً ما لا يمكن أن تغض موسكو الطرف عنه.

subtitle:
الخارجية الأوكرانية تتهم أوربان بـ "قصر النظر" وتنشد منه وساطة مع موسكو
publication date:
الخميس, ديسمبر 29, 2022 – 19:45

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com

AymanSerhan

Recent Posts

تزامنا مع العاصفة الرملية المرتقبة..الدفاع المدني يوجّه تحذيراً وتنبيهاً هاماً مع تعليمات لتفادي المخاطر

حذرت المديرية العامة للدفاع المدني المواطنين من مغبة إشعال النيران في المناطق الحرجية أو المحاذية…

يوم واحد ago

من هو المستهدف في غارة بعورتا صباح اليوم؟ (صورة)

استشهد صباح اليوم الشيخ حسين عزات عطوي، من بلدة الهبارية – قضاء حاصبيا مرجعيون، في…

يوم واحد ago

الجيش يودّع شهداء الواجب الثلاثة بمراسم مهيبة في مستشفى الشيخ راغب حرب

اقيمت قبل ظهر اليوم، مراسم تكريمية ووداعية في باحة مستشفى الشيخ راغب حرب في تول…

يومين ago

تقرير يكشف أسرار الحرب: كيف استخدمت إسرائيل أمنها واستخباراتها ضد حزب الله؟

نشر موقع “الخنادق” المعنيّ بالدراسات الإستراتيجية والأمنية تقريراً جديداً تحدّث فيه عن الجوانب الأمنية والاستخباراتية…

7 أيام ago

فئة الـ 500 ألف ليرة قريبا في الأسواق

عاد الحديث مُجددا عن إمكانية طباعة أوراق نقدية من فئات جديدة بالليرة اللبنانية وذلك بعد…

أسبوعين ago

مجزرة المسعفين برفح.. الناجي الوحيد يروي ما شاهده من جريمة الاحتلال

أكد مسعف فلسطيني كان موجودًا في واقعة استشهد فيها 15 من زملائه في جنوب غزة…

أسبوعين ago