الأزمة بين الجزائر وفرنسا تنتقل إلى الثقافة واللغة

<p>أثار الحراك الشعبي زوبعةً لغوية لكنه لم يحدث تغييراً (اندبندنت عربية)</p>

انتقل الخصام بين الجزائر وفرنسا إلى مجالَي الثقافة والتعليم، حيث قررت وزارات جزائرية إنهاء التعامل باللغة الفرنسية في المراسلات الصادرة عنها، في خطوة “تصعيدية” تؤشر إلى مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين.

قرارات مفاجئة

وفي وقت انتظر المتابعون في البلدين خطوات للتهدئة من الجانبين أو فترة “صمت” على الأقل لإعادة الأمور إلى نصابها، وفيما حاول الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون “التودد” إلى الجزائريين باستنكار أحداث 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1961، التي أودت بحياة المئات من المهاجرين الجزائريين في باريس، بالإضافة إلى تصريحات وزير الخارجية جان إيف لودريان، التي أشارت إلى الاحترام الراسخ للسيادة الجزائرية، فاجأت الجزائر المتفائلين في البلدين، بمحاصرة اللغة الفرنسية في الدوائر الرسمية، وبإنهاء استعمالها في المراسلات.
وقررت وزارتان إنهاء التعامل باللغة الفرنسية في المراسلات الصادرة عنهما، فنشرت وزارة التكوين المهني على صفحتها بموقع “فيسبوك”، تعليمات للعاملين فيها على لسان الوزير ياسين ميرابي، جاء فيها “مطلوب منكم استعمال اللغة العربية في ميدان التدريس، وكل المراسلات الصادرة عن مصالحكم”.
وبصيغة مماثلة، طلبت وزارة الشباب والرياضة في منشور على “فيسبوك” على لسان الوزير عبد الرزاق سبقاق، “استعمال اللغة العربية في كل المراسلات الداخليةً ابتداء من مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل”.
وعلى الرغم من أن الدستور الجزائري ينص على أن “العربية هي اللغة الوطنية والرسمية الأولى، كما أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية ووطنية ثانية”، لا تزال وزارة الدفاع هي الوحيدة التي تستعمل اللغة العربية في مراسلاتها الداخلية وبياناتها الرسمية وشعاراتها، بانتظار تعميم الخطوة على كل المؤسسات الرسمية، أو اعتبار ما أقدمت عليه هاتان الوزارتان قراراً معزولاً.

نوع من الإهانة؟!

وتعليقاً على القرار، رأى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، أن “استمرار استعمال اللغة الفرنسية في المراسلات الرسمية والادارية هو نوع من الإهانة للسيادة الوطنية واللغة العربية التي أقرها الدستور الجزائري لغةً رسمية إلى جانب اللغة الأمازيغية”، مشدداً على أن “هذا الواقع يستدعي إرادة حقيقة من كل الدوائر السياسية والمؤسسات السيادية في الدولة من أجل إلغاء استعمال اللغة الفرنسية وتثبيت اللغة العربية رسمياً في مختلف المراسلات”. وتابع حبيب، أن “بعض الأبواق الفرنسية لا تزال تتشدق في مختلف المنابر الإعلامية العالمية بالتبعية الثقافية الجزائرية لفرنسا بسبب هذه اللغة”. واعتبر أن “ما أقدمت عليه الوزارتان خطوة مهمة جداً على مسار مواصلة اجتثاث جذور السيطرة الفرنسية على بعض المرافق بمساعدة جهات داخلية، وهو ما يدعو إلى الاطمئنان لأن الشعب الجزائري مُصرّ بعد الحراك على إعادة الاعتبار للثوابت الوطنية وعلى رأسها اللغة العربية”.

متى يكتمل “التعريب”؟

وأثار الحراك الشعبي زوبعةً لغوية، وعلى الرغم من أن تلك الهبة التلقائية لم تأتي أُكلها، إلا أنها أثارت نقاشات سياسية وأخرى “هوياتية” تتصل بموقع اللغة العربية ومدى ارتباط الثقافة الفرنسية بمشروع الدولة، ولربما تأتي الأزمة الديبلوماسية بين الجزائر وفرنسا التي مست الاقتصاد والثقافة لتضع حداً لهيمنة اللغة الفرنسية على حساب العربية المحمية دستورياً، ما يفتح الباب أمام تحقيق توقعات المجلس الأعلى للغة العربية الذي أشار إلى أن خطوات “التعريب” في البلاد تكتمل بحلول عام 2024.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، صالح بلعيد، إنه “لا يمكن الحديث عن اختفاء اللغة الفرنسية في الجزائر، يمكن فقط أن نقول إنه سيكون لها موقع آخر. وعلى الرغم مما تملكه اللغة الفرنسية من موقع داخل الأسرة الجزائرية إلا أنه ليس الموقع ذاته الذي كان في ستينات القرن الماضي”.

إحدى أبرز لغات الغد

في المقابل، تكشف سفارة فرنسا بالجزائر، عن أن 300 مليون “فرنكوفوني” في العالم يتحدثون اللغة الفرنسية، وأن عدد الناطقين بها ارتفع بنسبة 6.9 في المئة. وأبرزت السفارة أن فرنسا تصبو إلى جعل اللغة الفرنسية إحدى أبرز لغات الغد وميزة من مزايا العولمة، وهي التي تحتل المرتبة الخامسة في قائمة اللغات الأكثر تداولاً في العالم.

وأشارت السفارة إلى أن فرنسا وضعت خطة متعلقة بلغتها وبتعدد اللغات عرضها الرئيس ماكرون، وتتمحور حول 33 نقطة، تهدف إلى تعزيز الفرنكوفونية واللغة الفرنسية، عبر إقامة تعاون مع السلطات المحلية بغية تعزيز مكانة اللغة الفرنسية في نُظمها التعليمية، وإلى تنظيم نشاط تعليمي مباشر تديره الشبكات الثقافية والمدرسية الفرنسية.

ضعف الوعي السياسي

ورأى الباحث في علم الاجتماع السياسي، أسامة لبيد، أن “ما تعانيه اللغة العربية في الجزائر مرده ضعف الوعي السياسي الذي أشاع نوعاً من التكابر على اللغة الأم”، موضحاً أن قرار بعض الوزارات إنهاء استعمال اللغة الفرنسية في مراسلاتها الرسمية هو بمثابة رد اعتبار للغة العربية في وقت كانت اللغة الفرنسية طاغية، على الرغم من أن العربية هي الرسمية في الدستور”.
وزاد لبيد، أن “كل دول العالم تستعمل لغتها في تعاملاتها إلا الجزائر تستعمل لغة المستعمر في مجالات عدة وفي الوزارات والمؤسسات للأسف، وعليه فإن خطوة وزارتَي الشباب والرياضة وأيضاً التكوين والتعليم المهنيَين، إيجابية لتكريس وفرض اللغة العربية”، معتبراً أن “اللغة الفرنسية ليست لغة العلم والتكنولوجيا، بل على العكس هي لغة ميتة، بعكس اللغة الإنجليزية العالمية”.

subtitle:
رغم الموقع المتقدم للفرنسية داخل الأسرة الجزائرية إلا أن الوضع اختلف عما كان عليه في الستينات
publication date:
الأحد, أكتوبر 24, 2021 – 03:45

الكاتب : fadi.matar
الموقع :www.independentarabia.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2021-10-24 03:00:44

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

AymanSerhan

Recent Posts

تزامنا مع العاصفة الرملية المرتقبة..الدفاع المدني يوجّه تحذيراً وتنبيهاً هاماً مع تعليمات لتفادي المخاطر

حذرت المديرية العامة للدفاع المدني المواطنين من مغبة إشعال النيران في المناطق الحرجية أو المحاذية…

يومين ago

من هو المستهدف في غارة بعورتا صباح اليوم؟ (صورة)

استشهد صباح اليوم الشيخ حسين عزات عطوي، من بلدة الهبارية – قضاء حاصبيا مرجعيون، في…

يومين ago

الجيش يودّع شهداء الواجب الثلاثة بمراسم مهيبة في مستشفى الشيخ راغب حرب

اقيمت قبل ظهر اليوم، مراسم تكريمية ووداعية في باحة مستشفى الشيخ راغب حرب في تول…

يومين ago

تقرير يكشف أسرار الحرب: كيف استخدمت إسرائيل أمنها واستخباراتها ضد حزب الله؟

نشر موقع “الخنادق” المعنيّ بالدراسات الإستراتيجية والأمنية تقريراً جديداً تحدّث فيه عن الجوانب الأمنية والاستخباراتية…

أسبوع واحد ago

فئة الـ 500 ألف ليرة قريبا في الأسواق

عاد الحديث مُجددا عن إمكانية طباعة أوراق نقدية من فئات جديدة بالليرة اللبنانية وذلك بعد…

أسبوعين ago

مجزرة المسعفين برفح.. الناجي الوحيد يروي ما شاهده من جريمة الاحتلال

أكد مسعف فلسطيني كان موجودًا في واقعة استشهد فيها 15 من زملائه في جنوب غزة…

3 أسابيع ago