<p>الرأي العام السوداني يواجه التشويش والتأثير الذي يضخه من لهم أجندات سياسية (أ ف ب)</p>
تسببت الحرب السودانية في وجود استقطاب حاد وانحياز إلى أحد طرفيها (الجيش والدعم السريع) بين كثيرين من السودانيين نخباً وأفراداً، ولاسيما عبر نجوم “السوشيال ميديا”، فالذين يتحزبون لأحد الطرفين تكشف طبيعة الاصطفاف لديهم عن إشكالية متى ما تأملناها سندرك أنها لا تشكل فقط خطراً على تزييف الوعي بسياق الحرب، بل كذلك ستكشف عن نظم إدراك هي بمثابة الخطر الأكبر على الإجماع السياسي للسودانيين.
تلك العقلية التي تنظر إلى سطح أسباب هذه الحرب ولا تتأمل في خلفياتها وحيثياتها التي هي أزمة حادة للدولة السودانية، لا تعين إلا على إشعال مزيد من الحماسة القاتلة في الاصطفاف إلى أحد الطرفين اصطفافاً يغيب أي معنى للمسؤولية الأخلاقية والوطنية التي ينبغي أن يتحلى بها كل مواطن نزيه في حكمه على ما يجري من وقائع الحرب، ناهيك عن الشخصيات العامة وذات الثقل حين يعكس اصطفافها تعبيراً عن عدم إدراك كارثي لخطر الحرب.
الذين يريدون من السودانيين الاصطفاف إلى أحد طرفي الحرب انحيازاً أعمى وتأييداً مطلقاً، ليسوا سوي مشعلي ونافخي كير من أجل مزيد من الخراب الذي ربما يقود إلى اختفاء خريطة الوطن معه.
وأكثر خطراً منهم أولئك الذين يشعلون نيران الدعوة إلى الاصطفاف إلى أحد الطرفين من مشاهير نجوم وسائل التواصل الاجتماعي، بطريقة عمياء لا تضمر أي معنى لقيمة الوطن واحترام السلم الأهلي وأمن المواطنين.
حمى الاصطفاف
وفيما تبدو حمى الاصطفافات الشغل الشاغل لكثيرين ستغيب كثير من الحقائق الصلبة عن هذه الحرب التي متى ما عجزنا عن القدرة على تحليلها وقراءة تداعياتها بصورة موضوعية ستصير الأمور إلى ما هو أسوأ، على رغم أن غالبية السودانيين اليوم ضد هذا الصراع بين الجيش والدعم السريع بعد مرور شهرين من دون انتصار طرف على آخر.
لعل من أهم الإشكالات التي تحير المراقب أن يرى قادة رأي وباحثين وشخصيات فكرية وثقافية تنحاز في هذه الحرب إلى أحد طرفيها تحت غطاء يدعي الحياد والموضوعية، وهو أخطر ما يمكن أن يفرزه الاستقطاب فيها، فأن تنحاز إلى أحد الطرفين شخصيات سودانية ذات ثقل معرفي لباحثين وإعلاميين وغيرهما ممن عرفوا بظاهر من الاستقلالية في مواقفهم قبل اندلاع حرب السودان، من دون أن تكون لهم القدرة على استبصار موقف موضوعي وتحر للمسؤولية النقدية والأخلاقية، يترك أثره السلبي والمشوش لدى الغالبية من قرائهم ومتابعيهم.
هناك تشويش وتأثير كبيرين يضخانه من لهم أجندات سياسية عبر مصادر إعلامية في “السوشيال ميديا” تملك تأثيرات من خلال مئات آلاف من الحسابات المزيفة، دفعت فيها مبالغ ضخمة وتبث وفقاً لسطوتها المؤثرة في تلك الوسائط بفعل إمكاناتها المالية دعايات وأخبار مؤثرة في المتابعين، فيتم الطرق والدندنة حول أخبار بعينها وسرديات مخصوصة باتجاه التأييد للحرب، وعبر كثافة تلك الحسابات وذبابها الإلكتروني تصبح تلك الأخبار في حكم الإشاعات القوية والأقرب إلى التصديق.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل هذا التشويش الكبير نتصور أنه من الأهمية بمكان أن تكون هناك مسؤولية أخلاقية شجاعة للكتاب والشخصيات السودانية العامة المعروفة، بحيث تشارك من واقع مسؤوليتها الأخلاقية والوطنية في التقييم النقدي للحرب بعيداً من الخوف من أجواء الاستقطاب، لأن الواقع خلق “فوبيا” لدى كثيرين من الذين تأثروا بالدعايات السياسية عبر وسائط “السوشيال ميديا” عن الحرب، فأثر ذلك في عدد لا بأس به من قادة الرأي والكتاب بحيث أحجموا عن قول الحقيقة خوفاً من أن يتم تأويل كلامهم في ظل ذلك الاستقطاب الذي لا يسلم بأي موقف نقدي للحرب.
الاصطفاف حول طرفي الحرب من بعض السودانيين تغيب معه التفاصيل الضرورية والمواقف المعقدة والتحليلات الرصينة من الصدارة لتحل محلها أصوات نجوم “السوشيال ميديا” من مسعري الحروب ومحبي الإثارة والحماسة من دون أن يجد المتابعون فرصة للاطلاع على أي صوت نقدي يتجرأ على وصف الحقيقة التي لا يحب كثيرون سماعها لأنها تضعهم أمام مسؤولياتهم.
استقطاب موجه
حين ينطلق مؤيدو طرفي الحرب من سرديات متوهمة بأن الوضع السياسي في السودان قبل الحرب كان جيداً، ومن توهم أن الجيش السوداني لم يجرف عن هويته المهنية، وما أصابها من تسييس في ظل النظام السابق على مدى 30 عاماً، أو حين يتوهمون كأن لم تكن هناك علاقة عضوية حميمة بين الجيش والدعم السريع قبل الحرب، ستكون النتيجة مزيداً من حدة الاستقطاب وغياب الحقائق الموضوعية التي في غياب فهمها والتسليم بها لا يمكن أن تنصلح الأمور.
مع هذا الاستقطاب الذي هو مناخ مناسب لسوء الفهم سيكون أي نقد تحليلي يرصد الوقائع ويبني عليها نتائج موضوعية ربما لا يعجب أحد طرفي الحرب فرصة للتخوين والاتهام بالعمالة لصاحب التحليل من دون أي تأمل في ما كتبه، الأمر الذي ينأى بكثير من الكتاب والباحثين عن الخوض في واجب تبيين الحقائق التي يمكن أن يصلوا إليها من واقع نقدهم الموضوعي لسياق الصراع، ويدفعهم إلى إيثار الصمت والسلامة، فإذا كشفت نتيجة تحليل ما عن موقف يكون فيه الظن الغالب لكاتبه أن من تسبب في الحرب مجموعة معينة من ضباط الجيش السوداني، بناء على قراءة معطيات ومواقف سياسية كثيرة وواضحة لطرفي الاتفاق الإطاري، فإن تهمة التخوين ستكون جاهزة له، لأن مناخ الاستقطاب الذي نزح بانحيازات محازبي الأطراف إلى مناطق بعيدة في التعصب لا يسمح أبداً بأية رؤية موضوعية تكون بمثابة مقدمة للإقرار بالحقائق.
وعي وحماسة
الحماسة التي تتفجر من مشاهد الحروب وفظائعها وكوارثها الإنسانية تصبح المتحكم الوحيد في أجواء الاستقطاب حول الحرب، ولهذا فإن التغييب للعقل والموضوعية يجعلهما الضحية، وعلى رغم ما كشف عنه تاريخ الحروب الأهلية بالسودان من حقائق تدفعنا للقول إن النزاع الذي تجري وقائعه في الخرطوم منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023 هو خاتمة طبيعية لتاريخ من الاختلال في إدارة السلطة والثروة في البلاد بيد مكون محدد من مكوناته.
وعطفاً على ذلك يمكن القول إن الحرب بدأت منذ عام 1955 بتمرد توريت في جنوب السودان آنذاك، وتواصلت في كل من شرق البلاد وغربه، إلا أن كل تلك الحقائق الموضوعية التي لا بد من ذكرها في سياق أية إدانة لتاريخ السلطة السياسية للدولة السودانية بعد الاستقلال ستُتجاهل في سعار الاصطفاف لأحد طرفي الحرب وكأن النزاع الأخير لا علاقة له بالخراب الذي شهدته الحروب الأهلية والاختلال السياسي المصاحب لها.
في مثل هذه اللحظات العصيبة من الحروب، منها النزاع الذي يجري اليوم في قلب الخرطوم ويهدد بدمار السودان، سيكون واجب الوقت الأخلاقي هو تبيين الأمور وممارسة القول النقدي لهذه الحرب ممن يتحلون بالمسؤولية الأخلاقية من المفكرين والباحثين والمثقفين القادرين على توضيح الأمور متى ما خلصوا إلى أن ما توصلوا إليه هو الأقرب للحقيقة، سواء عبر التحليل السياسي أو نتائج التحقيقات الاستقصائية في الصحافة أو الحصول على معلومات موثوقة من جميع المصادر.
من دون أن تخشى هذه النخبة لائمة من مسعري الحروب وأبواق الخراب، وجب عليها أن تقدم النصائح بناء على مواقف أخلاقية ومسؤولية وطنية ومعرفة موضوعية حيال حقائق الصراع في البلاد، ومهما كان الأمر قاسياً سيكون مفيداً للجميع، بدلاً من ذلك الاستقطاب إلى أحد الأطراف بما لا يجلب معه إلا الدمار للوطن.
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com
نشر موقع “الخنادق” المعنيّ بالدراسات الإستراتيجية والأمنية تقريراً جديداً تحدّث فيه عن الجوانب الأمنية والاستخباراتية…
عاد الحديث مُجددا عن إمكانية طباعة أوراق نقدية من فئات جديدة بالليرة اللبنانية وذلك بعد…
أكد مسعف فلسطيني كان موجودًا في واقعة استشهد فيها 15 من زملائه في جنوب غزة…
طقس ربيعي مستقر نسبياً يسيطر على لبنان والحوض الشرقي للمتوسط حتى اليوم الأحد حيث تتأثر…
أفادت "الوكالة الوطنية للاعلام" أن خلافا فرديا في منطقة الشرحبيل بين عدد من الاشخاص، استخدمت…
أعلنت المديرية العامة للامن العام اللبناني، أنّه "تبيّن أخيراً أن عدداً كبيراً من المواطنين تلقّى…