المصدر: الأخبار
كالجمر تحت الرماد، يمكن وصف الأوضاع بين بشري والضنيّة. «قلوب مليانة» واحتقانٌ في النفوس يعود إلى أكثر من 15 عاماً على خلفيّة نزاع على ملكيّة القرنة السوداء. رواية بشري مقابل رواية الضنيّة، فيما الدولة «تتعامى» عن الروايتين، حتّى تحوّل النزاع على «القرنة» إلى صراع دموي طائفي يكاد يطيح بالسلم الأهلي. كيف بدأ النزاع العقاري؟ وهل تدخّل السياسيون لـ«تضخيمه»؟
بيان مديريّة التوجيه في الجيش، السبت، والذي أعلن إحالة 11 موقوفاً إلى القضاء المختص في حادثة مقتل الشاب هيثم طوق، أرخى نوعاً من الهدوء في نفوس أهالي بشري الذين كانوا يتخوّفون من «لفلفة» القضيّة، وإن كان هاجس إفلات القتَلة من العدالة لا يزال يُسيطر عليهم.
على المقلب الآخر، تتمسّك الضنيّة بالهدوء رغم توقيف 10 من أبنائها. «نقلت المطلوبين بسيارتي إلى مديريّة المخابرات»، يقول رئيس رابطة مخاتير الضنيّة، مختار بقاعصفرين عمّار صبره، «لأننا أيضاً نريد الحقيقة».
الجميع يؤكّدون ثقتهم بالدولة وأجهزتها الأمنيّة. رغم ذلك، يبقى النزاع على ملكيّة القرنة السوداء كالجمر تحت الرماد، بعدما تحوّل إلى قضيّة هويّة وانتماء لمنطقتين مختلفتين جغرافياً وطائفياً، تكرر فاعلياتهما العبارة نفسها: «كرامتنا في الحفاظ على القرنة السوداء».
رئيس بلديّة بقاعصفرين بلال زود يؤكّد أنّ حدود بلدته تصل إلى أبعد من القرنة السوداء بـ 3 كيلومترات «ولن نتراجع متراً واحداً». يفتح أحد الشبّان متصفّح غوغل ويقلّب بين الصفحات التي تشير إلى أن القرنة تقع في قضاء الضنيّة، ويعود آخر إلى كتاب الجغرافيا الرسمي الصادر عن «المركز التربوي للبحوث والإنماء» الذي يُعلّم الطلّاب أنّ «القرنة تابعة عقارياً للضنية»، ويسأل: «لماذا لم يطالب أهالي بشري على مدى كلّ هذه السنوات بأرضهم طالما تعود ملكيّتها لهم؟ ولماذا سكتوا عندما كُنا نقيم صلاة الجمعة عند تخومها؟».
في المقابل، يحيل رئيس بلديّة بشري فريدي كيروز إلى «صكوك وحجج وخرائط تمتد إلى زمن المتصرفية ومستندات منذ عام 1905 تؤكّد أنّ كومسيور بشري كان يضمّن مشاع القرنة إلى الرعاة على مدى السنوات التي سبقت إقامة متصرفية جبل لبنان، فضلاً عن مستندات تثبت الحدود بين القضاءين بالحجر». ويقول المختار زياد طوق «إنّنا لم نحتكّ يوماً مع أهالي الضنيّة لأنّهم لم يكونوا يوماً أصحاب الأرض ولم يقوموا حتّى بزيارتها»، ويسأل: «هل يُمكن لصاحب الأرض أن يترك أرضه لغيره لعشرات السنوات؟». ويؤكد الرجلان أنّ «حدود بشري هي مع عشائر عرب الفوّار الموجودين في المنطقة منذ سنوات، ولطالما كان الصليب مرفوعاً فوق القرنة السوداء، فلماذا لم نسمع أصوات أهالي الضنيّة؟».
أصل الصراع
كلّ جهةٍ تحمل خرائطها ومستنداتها لإثبات ملكية القرنة، فيما تتقاعس «الدولة» في حلّ النزاع العقاري حتّى تحوّل صراعاً دموياً. ورغم اختلاف الروايتين، يتفّق الطرفان على أنّ الأزمة بدأت أواخر التسعينيات وتفاقمت بعد 2006، مع تمديد مزارعي الضنيّة خراطيم تحت الأرض لسحب مياه «الثلاجات» (بقع كبيرة لا تذوب فيها الثلوج طوال العام) لري مزروعاتهم، ما رأى فيه «البشرّانية» «اعتداء على البيئة ومخالفة لقرار وزارة البيئة الصادر عام 1998 بتصنيف الأراضي التي تعلو عن 2400 متر كمحميّات طبيعيّة لحماية الثروة الطبيعيّة، إذ إن الخراطيم تؤثر على احتياط المياه الجوفية في الشمال والبقاع وبشري، وصولاً إلى إهدن».
ويقول طوق: «في البداية، طلبوا إذناً بمدّ خرطوم مياه أو اثنين قبل أن نكتشف أنّ أكثر من 14 خرطوماً مُدّت تحت الأرض لري مزروعاتهم، فيما نمتنع نحن عن ذلك رغم قرب الثلاجات من أراضينا».
أهالي الضنية رأوا قي قرار وزارة البيئة «استهدافاً» لهم، وخصوصاً أنه لا يُنفّذ في معظم المناطق، أضف إلى أنّ «سحب مياه الثلاجات لا يؤثر على المياه الجوفيّة». والأهم هو أنّ عدم استغلال مياه الثلاجات يعني ضرب الموسم الزراعي في جرد النجاص في خراج بقاعصفرين والذي يعتاش منه أكثر من 50% من أبناء البلدة.
بدأ الخلاف على سحب مياه الثلاجات، بعدما لزّمت وزارة الطاقة والمياه، مرتين، متعهدين إقامة بركة لتجميع المياه لري مزروعات أبناء الضنيّة ضمن «المشروع الأخضر»، يقول المختار إن خطأ تقنياً في المرة الأولى حال دون تجميع المياه، «وفي المرة الثانية قبض المتعهّد ولم ينفّذ». لم تتوقف مساعي الرئيس عمر كرامي، ومن بعده النائب فيصل كرامي، لإقامة بركة مياه، قبل أن يصطدم المشروع بقرارات قضائيّة من جانب أهالي بشري ويُشرّع الباب أمام نزاعٍ عقاري.
بالنسبة إلى الطرفين، الدولة تقاعست عن القيام بواجبها وهي تتحمّل مسؤولية إراقة الدّماء في القرنة السوداء، فيما أهمل القضاء القضيّة بسبب تدخّلات سياسية!
الاستقواء بالسياسة؟
يقول أبناء الضنيّة إنّ أهالي بشري لم يُطالبوا في الماضي بما يسمّونه اليوم «حقاً مشروعاً» في ملكيّة القرنة قبل أن يخرج رئيس حزب القوات اللبنانيّة من زنزانته. ويتّهمون تيّار المستقبل بمهادنة «القوات» وعدم حسم الأمر لمصلحة «أصحاب الحق». وينقل بعضهم عن النائب السابق سامي فتفت أنّ جلساته مع النائبة ستريدا جعجع لحسم القضيّة علّقت لأنّ «الأخيرة كذبت عليّ». فيما يجاهر بعض أهالي بقاعصفرين بأن المستقبل «باع» القضيّة أصلاً. وهو ما ينفيه محسوبون على المستقبل لافتين إلى أنّهم شاركوا في أكثر من جلسة لحسم القضيّة، لكن القوات كانت تُناور.
ويروي نائب رئيس البلدية علي صبره الذي كان موقوفاً في قضيّة هيثم ومالك طوق أنّ البلديات المتعاقبة في بشري كانت متعاونة، وكان «القواتيون» سابقاً متعاونين في ضبط الخلافات، «وكنا نلتقي دورياً في مقر مديريّة مخابرات الجيش لحل الخلافات التي كانت تقع من جراء قطع خراطيم المياه. ولكن في الأعوام الثلاثة الأخيرة تفاقمت الخلافات ووصلت إلى حد إطلاق النّار على الماشية. ولطالما دعونا إلى حسم الخلاف العقاري قبل سقوط الدماء». الأمر نفسه يشير اليه مختار بقاعصفرين عمّار صبره. إذ إنّ الأمور كانت تُحلّ دوماً «على الطريقة العشائريّة»، وكانت بلديّة بشري تتنصّل من عمليّات قطع خراطيم المياه وتتهم طابوراً خامساً بها، قبل أن تنقلب الأمور رأساً على عقب خلال السنوات الأخيرة. لذلك، يعتقد أبناء الضنيّة أن الأزمة كانت «تُطبخ» على نارٍ هادئة لفرض «سلطة أمر واقع» على القرنة «تمنعنا من التصرّف بأرضنا ومياهنا». في السنتين الأخيرتين، صارت بلديّة بشري تُجاهر برفضها لمدّ الخراطيم وتُغطي من يقومون بسحبها عبر الـ«ATV»، بعدما كانت سابقاً تتهم «طابوراً خامساً»، فضلاً عن تكرر الاعتداءات على الرعاة وقتل أكثر من 300 رأس من الماشية.
يُحمّل كثيرون في الضنيّة مسؤولية «التحريض» إلى النائب ويليام طوق الذي يُريد كسب شعبيّة على «ظهر» القرنة السوداء. ويقولون إنه أقرّ في إحدى الجلسات مع كرامي، بوجود مهندسين ومحامين، بنيّته في إقامة مرصد فلكي على قمة القرنة السوداء بتمويل من شركة فرنسيّة. ويستدلّون على ذلك بالسقف العالي لكلام طوق في الأحداث الأخيرة، فيما جاء تصعيد «القوات» لكي «يلحّقوا حالهم».
يحزّ في نفوس أبناء الضنيّة عدم وجود مرجعيّة سياسيّة «في ظهرهم»، ويدركون أن وجود الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة لم يكن ليحل الأزمة، إذ إنّه كان «سيُساير» القوات اللبنانية تماماً كما سايَر الرئيس نجيب ميقاتي على حسابهم حينما تراجع عن إحياء لجنة القرنة السوداء. والعتب يشمل نائبَي المنطقة (جهاد وعبد العزيز الصمد) اللذين غابا عن القضيّة رغم مضبطة الاتّهام التي وُجّهت إليهما. وحده كرامي تجرأ على فتح معركة الدّفاع عن منطقة ارتبطت عائلته بها منذ أيّام جدّه عبد الحميد، بعدما تحوّلت بقاعصفرين إلى مصيف تاريخي لآل كرامي. إلا أن آخرين يُدافعون عن «الصمدَين» على اعتبار أنّ كرامي وبلديّة بقاعصفرين «أخطأوا حينما أصدروا مواقف إعلاميّة بدا معها كأنّ أبناء المنطقة يُريدون الدّفاع عن أنفسهم لرد تهمة المسؤولية عن مقتل هيثم طوق»، فيما كان جهاد وعبد العزيز الصمد «على حق» عندما لزما الصمت «لأن لا علاقة لنا بالحادثة». مع ذلك، يخشى الجميع في الضنية أن «يضمّ» أهالي بشري القرنة السوداء باعتبار أنّهم «ضحايا الدم»، ما يعطيهم أفضلية أمام القضاء الذي سيحكم لمصلحة «الضحيّة»!
صمت الصمد وظهور كرامي لا يُغيّران في واقع الأمر شيئاً لدى أهالي بشري، إذ يرون أنهما «المحرّضان الأساسيّان» للقضيّة، كما أنّ حزب الله هو المستفيد الأوّل من وقوع الفتنة المسيحيّة – السنيّة، في حين أنّ ما يعني أبناء الضنيّة هو تأمين موردٍ للمياه. وهو ما يشير إليه رئيس بلديّة بشري الذي يُشدّد على أنّ القضيّة لا تُحل إلا عبر تأمين موردٍ للمياه لأهالي الضنيّة يغنيهم عن استخدام الثلاجات في القرنة السوداء، وحسم الخلاف العقاري قضائياً، ومحاكمة المشاركين والمحرضين على مقتل هيثم ومالك طوق.
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :otv.com.lb
حذرت المديرية العامة للدفاع المدني المواطنين من مغبة إشعال النيران في المناطق الحرجية أو المحاذية…
استشهد صباح اليوم الشيخ حسين عزات عطوي، من بلدة الهبارية – قضاء حاصبيا مرجعيون، في…
اقيمت قبل ظهر اليوم، مراسم تكريمية ووداعية في باحة مستشفى الشيخ راغب حرب في تول…
نشر موقع “الخنادق” المعنيّ بالدراسات الإستراتيجية والأمنية تقريراً جديداً تحدّث فيه عن الجوانب الأمنية والاستخباراتية…
عاد الحديث مُجددا عن إمكانية طباعة أوراق نقدية من فئات جديدة بالليرة اللبنانية وذلك بعد…
أكد مسعف فلسطيني كان موجودًا في واقعة استشهد فيها 15 من زملائه في جنوب غزة…