هل دفعت السوشيال ميديا بالصحافة إلى "مستنقع التريند"؟


<p>المعايير المهنية للعمل الصحافي تراجعت في ظل انتشار منصات السوشيال ميديا (أ ف ب)</p>

فرضت مواقع التواصل الاجتماعي تغيرات جمة على طبيعة العمل الصحافي ومحتواه، للدرجة التي عززت من محاولات المواقع الصحافية المصرية مسايرة تلك المتغيرات، حتى لو جاء ذلك على حساب انتهاك الخصوصية ومخالفة مواثيق العمل الصحافي المتبعة، للحصول على أعلى درجة من آفة ما يسمى “الترافيك” واللحاق بـ”التريند”.

كانت القاعدة الرئيسة المعمول بها في السابق أن “الصحافي لا يُسأل عن مصدره” لكن المصدر بات هنا معلوماً، فصفحات المشاهير مثلاً أصبحت مرآتهم للتعبير عن حياتهم وأعمالهم وأفراحهم وأتراحهم، لكن ما يثير الريبة ويبعث على القلق هو التعامل مع تلك الصفحات بمنطق الثقة المطلقة من دون العودة إلى أصحابها للتأكد مما هو منسوب إليهم والحصول على إذن النشر، وأضحى ذلك واقعاً مؤلماً يعانيه كثير من المشاهير الذين تنسب إليهم حسابات وهمية على تلك المواقع.

كما أضحى التعاطي مع النشر، دون إذن مسبق، لفيديوهات وصور وتداول معلومات شخصية، على رغم وفرتها، يمثل انتهاكاً صارخاً للخصوصية التي يحميها القانون وتنص عليها الدساتير، وباتت إشكالية كبرى تحتاج إلى نقاش موسع حول الآلية التي تحكم طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي، وهل عصفت بمواثيق العمل الصحافي وأخلاقياته في شأن نشر صور المرضى وفيديوهات المشاهير وغيرهم من دون إذن؟

البحث عن “التريند والترافيك”

استشاري الإعلام الرقمي والمحاضر بالجامعة الأميركية فادي رمزي، يقول إن “معضلة العلاقة بين السوشيال ميديا وأخلاقيات ومواثيق العمل الصحافي ترتبط بشقين، الأول أن أغلب المؤسسات الصحافية أصبحت تتسابق وراء التريند والترافيك أملا بتحقيق مكاسب مالية وأرباح طائلة وحصد مزيد من حصيلة الإعلانات، وهو ما جعل التريند أولوية لديها عن المعايير والقيم المهنية المتعارف عليها في الصحافة، والثاني يكمن في رغبة المؤسسات الصحافية في مواكبة الأحداث الجارية لعرضها على القارئ أو المشاهد”.

واستشهد رمزي، خلال حديثه لـ”اندبندنت عربية”، بعرض صورة للفنان المصري إيمان البحر درويش وهو على فراش المرض وانتشارها بصورة واسعة على منصات “السوشيال ميديا”، مشيراً إلى أن نشر صور للمرضى دون إذنهم أو عرض صور للمشاهير أثناء إجازاتهم أو إفشاء تفاصيل شخصية عن حياتهم أصبح مباحاً على وسائل التواصل الاجتماعي كما لم تعد الخصوصية من الأولويات لدى بعض المؤسسات الصحافية.

وقبل أيام قليلة، نشرت أمنية البحر صورة لوالدها الفنان إيمان البحر درويش وهو على فراش المرض بعد تعرضه لوعكة صحية عبر حسابها الخاص على فيسبوك، وكشفت الصورة عن تدهور كبير في الحالة الصحية للفنان إيمان البحر درويش.

وتنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، على “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة عديداً من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء أكانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة”.

ويشدد استشاري الإعلام الرقمي أنه في حالة استمرار تلك المعضلة ستفقد الصحافة على المدى الطويل قيمتها وستكون مجرد ناقل لما يعرض على “السوشيال ميديا” وسيكون هناك مجال لعرض معلومات غير دقيقة أو مضللة، بالتالي ستقل جودة المادة الصحافية المقدمة لجمهور القراء.

اعتداء على الخصوصية والحرية الشخصية

في السياق ذاته، يقول أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة سامي عبد العزيز إن “هناك انهياراً واضحاً في منظومة القيم والمواثيق الإعلامية والصحافية في الوقت الراهن”، موضحاً أن نشر صورة لأي شخص سواء أكان نجماً أو مواطناً عادياً دون الحصول على موافقة شخصية منه يعتبر مخالفاً لجميع القيم والأخلاقيات والمواثيق المتعارف عليها.

وأقرت المادة 57 من دستور 2014 “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون، كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بجميع أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف عبد العزيز، أن الجميع طالع خلال الأيام القليلة الماضية ما قامت به نجلة الفنان المصري إيمان البحر درويش بنشر صورته وهو على فراش المرض، مشيراً إلى أن ابنته لها الحرية في نشر صورة والدها على صفحتها الشخصية لكن لا يحق لأي صحافي أو إعلامي أو مذيع أن ينقل تلك الصورة دون موافقتها الشخصية، لأنه يعد اعتداء على الخصوصية والحرية الشخصية والمواثيق والقيم الأخلاقية والمهنية المتعارف عليها في العمل الإعلامي والصحافي، مشيراً إلى أن العقاب يقع على المؤسسة بأكملها وليس على من نشر الصورة فقط لأن تلك المؤسسة هي من تضع الإطار الحاكم الذي يحكم سلوكيات من يعمل فيها.

يكمل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن هناك تراجعاً رهيباً وانهياراً في المنظومة يتطلب إعادة النظر في جميع الأمور، والحل يكمن في إعادة تصحيح المسار ومعاقبة المؤسسات التي يتورط أصحابها في تلك الممارسات التي تعتبر غير أخلاقية ولا تمت للعمل الصحافي والإعلامي بصلة.

استخفاف بالمعايير المهنية

من جهته يرى الصحافي ووكيل مجلس نقابة الصحافيين المصريين الأسبق جمال فهمي، أن المعايير المهنية للعمل الصحافي تراجعت عموماً في ظل انتشار منصات السوشيال ميديا ولم يعد كثير من الصحافيين يدركون أن هناك قواعد مهنية وأخلاقية ينبغي مراعاتها والالتزام بها قبل نشر المادة الصحافية، سواء عبر الوسائل الإلكترونية أو الورقية وهناك عديد من الأمثلة التي تدلل على ذلك.

ويشير فهمي إلى أن “السوشيال ميديا تفتقر إلى معايير وأخلاقيات العمل الصحافي التي استقرت عبر عقود طويلة وبها قدر من المعلومات غير الدقيقة، وهناك ما يمكن تسميته بحالة من الاستخفاف بالمعايير المهنية والأخلاقية”، مضيفاً أن “الصحافي يجب أن يلجأ إلى تدقيق معلوماته جيداً إذا ما كان سيتناول صوراً أو معلومات من مواقع التواصل، وهناك مسؤولية كبرى على المؤسسات الصحافية للعودة إلى القيم المتعارف عليها في مهنة الصحافة والتعامل بحذر شديد مع جميع المعلومات والصور المتداولة”.

وتنص المادة (41) من قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020 الصادر عن مجلس النواب على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل حائز أو متحكم أو معالج جمع أو أتاح أو تداول أو عالج أو أفشي أو خزن أو نقل أو حفظ بيانات شخصية حساسة دون موافقة الشخص المعني بالبيانات أو في غير الأحوال المصرح بها قانوناً”.

ويشدد وكيل مجلس نقابة الصحافيين الأسبق على ضرورة أن يلجأ الصحافيين إلى التدقيق والمراجعة أكثر من مرة للتحقق من صحة المعلومات التي تبث عبر السوشيال ميديا، قائلاً “الدقة معدومة على منصات التواصل الاجتماعي ولا يمكن التعامل معها كمصدر للأخبار”.

الخصوصية والغرف المغلقة

وعن تأثير تلك القضية اجتماعياً، يرى نقيب الاجتماعيين وأستاذ علم الاجتماع السياسي عبدالحميد زيد، أن “هناك أبعاداً عديدة وتساؤلات ملحة ترتبط بتلك القضية، من بينها: من الذي نشر الصورة أو الفيديو أو تداول المعلومات عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي؟” مشيراً إلى أن “من نقلها من حيز الخصوصية للمجال العام هو صاحب الفعل، بالتالي لا يمكن لوم الآخرين في حالة الحصول عليها”، مستشهداً بصورة الفنان إيمان البحر درويش بعد نشرها على يد نجلته، موضحاً أنها “كانت تعلم أن حسابها متاحاً للجميع وبالتالي هي من سمحت للآخرين أن يعرفوا ما يحدث داخل الغرف المغلقة، وهي من نقلتها من الخاص إلى العام”.

ويضيف زيد أن “هناك محددات عديدة ينبغي النظر لها، كالتفرقة بين السلوك الصحافي المفترض أن يتبع والذي تحدده مواثيق المهنة والأخلاقيات والتشريعات وبين الخروقات التي يتم ممارساتها من قبل البعض، وعلينا أن نسأل أنفسنا: هل هي ظاهرة فعلاً وهل تحدث في كل المجتمعات أم لا؟”. مشدداً على ضرورة مراجعة السلوكيات في ضوء التشريعات اللازمة والعقوبات المانعة حتى لا يختلط الخاص بالعام.

subtitle:
متخصصون يرون أن "الترافيك" أصبح أولوية لدى بعض المؤسسات ويؤكدون أن نشر صور أو فيديوهات بمثابة اعتداء على الخصوصية
publication date:
الثلاثاء, يوليو 18, 2023 – 23:45

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com

Recent Posts

فئة الـ 500 ألف ليرة قريبا في الأسواق

عاد الحديث مُجددا عن إمكانية طباعة أوراق نقدية من فئات جديدة بالليرة اللبنانية وذلك بعد…

أسبوع واحد ago

مجزرة المسعفين برفح.. الناجي الوحيد يروي ما شاهده من جريمة الاحتلال

أكد مسعف فلسطيني كان موجودًا في واقعة استشهد فيها 15 من زملائه في جنوب غزة…

أسبوعين ago

الحرارة تتخطى الـ32 درجة الثلاثاء!… فكيف سيكون طقس الأيام المقبلة؟

طقس ربيعي مستقر نسبياً يسيطر على لبنان والحوض الشرقي للمتوسط حتى اليوم الأحد حيث تتأثر…

أسبوعين ago

3 جرحى بخلاف فردي في الشرحبيل

أفادت "الوكالة الوطنية للاعلام"  أن خلافا فرديا في منطقة الشرحبيل بين عدد من الاشخاص، استخدمت…

أسبوعين ago

لبنانيّون يتلقّون رسائل مزيّفة لإعانات مالية بالدولار… والأمن العام يُحذّر! (صورة)

أعلنت المديرية العامة للامن العام اللبناني، أنّه "تبيّن أخيراً أن عدداً كبيراً من المواطنين تلقّى…

3 أسابيع ago

لبنان في قلب الموجة “الحارة”… والأسبوع الأول من نيسان يحمل “المفاجأة”: فاستعدوا!

يشهد لبنان والحوض الشرقي للمتوسط تأثير رياح خماسينية دافئة قادمة من شمال إفريقيا، محملة بالغبار،…

3 أسابيع ago