هوكشتاين يبدأ جولته الثانية في 8 شباط بعد حرب الرسائل الإعتراضيّة…

يسـتأنف الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحريّة بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين جولته المكوكية الثانية في المنطقة يومي الثلاثاء والأربعاء في 8 و9 شباط، والتي كان أرجأها من 17 كانون الثاني الجاري بسبب إجراءات “كورونا”، على ما أبلغ، والتي سيبدأها من “تلّ أبيب” حيث يُجري المحادثات مع “المسؤولين الإسرائيليين” لينتقل بعدها الى بيروت، وتأتي جولة هوكشتاين وسط حرب رسائل إعتراضية غير مباشرة بين الجانبين، مرفوعة الى الأمم المتحدة من دون أن يحصل اي منهما حتى الآن على أي إجابة عنها.
فقد سبق للبنان أن رفع الى الأمم المتحدة في 20 أيلول الماضي كتاباً عبّر فيه عن احتجاجه على قيام العدو الإسرائيلي بالمصادقة على منح تراخيص لإحدى الشركات لبدء التنقيب في المنطقة البحرية المتنازع عليها، مطالباً مجلس الأمن التأكّد من أنّ أعمال تقييم التنقيب لا تقع في منطقة متنازع عليها بين لبنان و “إسرائيل”، بغية تجنّب أي اعتداء على حقوق وسيادة لبنان، كما بمنع أي أعمال تنقيب مستقبلية في المناطق المتنازع عليها تجنّباً لخطوات قد تُشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. علماً بأنّ هذا الكتاب رُفع الى الأمم المتحدة قبل زيارة هوكشتاين الأولى الى لبنان التي حصلت في 20 تشرين الأول المنصرم، غير أنّه لم يعرها الأهمية اللازمة خلال محادثاته مع أي من الجانبين.
وتلا هذا الكتاب اللبناني، رسالة “إسرائيلية” تهديدية للبنان، رفعها العدو في 23 كانون الأول الفائت الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، اعترض فيها على فتح الحكومة اللبنانية دورة التراخيص “أوف شور”، كونها تشمل المنطقة المتنازع عليها (بمساحة 860 كلم2) والتي يعتبر أنّ له حقوقاً سيادية فيها كون حدوده البحرية من وجهة نظره، تنتهي عند النقطة 1، وحذّر لبنان من القيام بأي نشاط غير رضائي فيها من دون موافقته، وأي نشاط إقتصادي قبل التوصّل الى حلّ ودّي يتمّ التفاوض عليه لمسألة ترسيم الحدود البحرية، داعياً إيّاه الى سحب مناقصته هذه، كما حذّر شركات التنقيب أيضاً من القيام بأي أعمال إستكشافية لصالح لبنان في المنطقة المتنازع عليها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سيتمكّن هوكشتاين خلال زيارته المرتقبة بعد أيّام، من تحديد منطقة النزاع الفعلية والتوصّل بالتالي الى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين؟ أم سيقفز فوق الترسيم الى حلول بديلة بالتراضي، وهل ستتمّ الموافقة على أحد هذه الحلول من قبل الجانبين؟ وهل سيُبدي الوسيط الأميركي هذه المرّة اهتماماً بالإعتراضات المتقابلة لا سيما بعد الرسالة “الإسرائيلية” الأخيرة الى الأمم المتحدة؟ وهل ستكون هذه الإحتجاجات من الجانبين دافعاً لحثّهما على التوصّل الى اتفاق سريع لترسيم الحدود البحرية أم لسلب لبنان مساحة معيّنة من حقوقه في المنطقة الإقتصادية الخالصة؟ وما هي المقترحات الجديدة التي يحملها معه، وسط الحديث عن “توزيع الحقول النفطية” (حقل قانا وحقل كاريش حتى الآن)، أو الآبار النفطية التي قد تُكتشف خلال عمليات التنقيب على الجانبين، وإمكانية تخطّي الخطوط البحرية المرسّمة، واللجوء الى رسم خط تحت الماء؟
أوساط ديبلوماسية متابعة لموضوع ترسيم الحدود تساءلت إذا ما كانت الظروف مؤاتية حالياً للعودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، رغم الجهوزية لاستئنافها، بحسب ما يُعلن كلّ منهما، وأشارت الى أنّ هوكشتاين يقول بأن لا يتقدّم اللبنانيون بـ “مطالب جديدة”. إذاً فـ “المطالب القديمة” لا تزال على طاولة المفاوضات، وما يعني بأنّ النقطة 29 واردة، كونها مطلب قديم وُضع على طاولة التفاوض غير المباشر. إلّا إذا كان الوسيط الأميركي يريد القول بأنّ المطالب الجديدة هي الخط 29 نفسه، كون المرسوم 6433 المودع لدى الأمم المتحدة يعتمد الخط 23 كحدود لبنان البحرية. فيما “الخط الأحمر” على “الخريطة الإسرائيلية” التي يُحاول الأميركيون و “الإسرائيليون” إغفاله عن قصد، هو أبعد من النقطة 29، ولهذا يتجنّبون إثارة موضوع هذه الخريطة، كونه سيُحرجهم. ومن شبه المؤكّد أنّهم طلبوا رسمياً عدم الخوض فيه كونهم على عِلم بأنّ النقطة البحرية الفاصلة بين لبنان والعدو الإسرائيلي تقع الى جنوب النقطة 29. ويعدون في المقابل، بإبداء المرونة، ولهذا يعمل هوكشتاين قبل مجيئه الى لبنان ببثّ أجواء إيجابية حول ملف الترسيم.
وأوضحت الاوساط أنّ الجيش اللبناني قد تلقّف هذه المسألة التي تُعزّز موقفه التفاوضي، في وجه موقفي بعبدا وعين التينة، كما أنّ الوفد العسكري المفاوض لم يكن “متطرّفاً” في مطالبه بموجب دراسة المعهد الهيدروكارتوغرافي البريطاني، بل هو أقلّ مما يُمكن اعتماده بكيلومترات عدّة، وأنّ “الهمروجة” الإعلامية الأميركية – “الإسرائيلية” التي صحبت ذلك الطرح، عن أنّ اللبنانيين يحلمون وغير معقولين ويغيّرون رأيهم ويبدّلون خرائطهم قد انقشع غبارها، فيما خريطة “الخط الأحمر” موجودة، و”مخبّأة” في الأدراج وبين الملفات القديمة ويتغافل عنها الأميركي و”الإسرائيلي” قصداً أو سهواً.
من هنا، تجد الأوساط نفسها أنّ العودة الى طاولة الناقورة لاستكمال التفاوض غير المباشر قد تكون “صُوَرية” فقط أو رمزية لإبداء بعض المرونة أو الإيجابية التفاوضية، إذا ارتضى الأميركيون و”الإسرائيليون” ذلك بمحاذاة مفاوضات فيينا، أو للقول “نحن لا زلنا هنا”، وليس لحصول إختراق ما أو للتوصّل الى اتفاق أو حلّ نهائي للنزاع، قبل الإنتهاء من الإستحقاقات الدستورية اللبنانية.
وشدّدت الاوساط على أنّه من دون موقف لبناني موحّد من قبل المسؤولين اللبنانيين، لن يصل لبنان الى نتيجة جرّاء المفاوضات غير المباشرة، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون أكّد للوفد اللبناني المُفاوض قبل بدء المفاوضات أنّ الخط 29 هو خط ميشال عون، على ما أفادت المعلومات، ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي وقّع “اتفاق الإطار” مع العدو الإسرائيلي، بعد عمل دام عشر سنوات، يميل الى التسوية ضمن الخط 23 لكي لا يقوم الوسيط الأميركي بالعودة الى “خطّ هوف” الذي يقسم المثلث البحري المتنازع عليه (860 كلم2) بين الجانبين بنسبة أكبر بقليل للبنان (55 % منه للبنان مقابل 45 % لـ “الإسرائيلي”). فيما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي وُضع التقرير البريطاني والمرسوم 6433 في عهد حكومته السابقة (في العام 2011) لم ينشر التقرير المذكور الذي أعطى للبنان حقّه في الخط 29، كما لم يعمل على تعديل المرسوم المذكور بإحداثياته الجديدة لتقوية موقف لبنان خلال التفاوض. حتى أنّ اعتراض لبنان على تنقيب “إسرائيل” في “حقل كاريش” والطلب من الأمم المتحدة التحقّق من أنّ عملها يدخل ضمن المنطقة المتنازع عليها هو خطأ، كون المرسوم 6433 المودع لدى الأمم المتحدة يعتمد الخط 23 كحدود لبنان البحرية، فيما “حقل كاريش” يبعد كثيراً عنه، ويدخل ضمن الخط 29 الذي يُفاوض لبنان على أساسه على الطاولة، غير أنّه لم يؤكّد عليه لدى الأمم المتحدة من خلال تعديل المرسوم 6433.
من هنا، تصف الأوساط عينها الموقف اللبناني الرسمي بالمتخبّط والملتبس، والمسؤولية تقع على كاهل بعبدا، وعين التينة، والسراي، وكلّ واحدة منها تريد انتزاع “شرف” التفاوض الثنائي بشكل آحادي سواء في العلن أو من تحت الطاولة، وبالإستعانة ببعض الخبراء والمبعوثين الخاصّين، بينما مثل هذا الأمر الاستراتيجي الذي يُحدّد مصير البلاد لعقود مقبلة ينبغي مقاربته بأوسع مروحة ممكنة من الحوار الوطني، وبشكل صريح وواضح وبالتنسيق بين جميع المكوّنات السياسية اللبنانية، لا أن يسود بينها الشكوك وانعدام الثقة والإستيحاز.
وفيما يتعلّق بالجانب المقابل، تقول الاوساط لنفترض أنّ الأميركي و”الإسرائيلي” طلبا عدم إثارة “مطالب جديدة” (أي خريطة “الخط الأحمر” على سبيل المثال، أو الخط 29 من وجهة نظرهما)، وأنّهما يريدان إبداء المرونة، فيجب عدم التهاون بعرض الموقف اللبناني بجميع مندرجاته، ومنها خريطة “الخط الأحمر” القديمة. وتساءلت: هل إذا تغافل لبنان عن حقّه سيرحمه الأميركيون و”الإسرائيليون” ويشفقون عليه؟ طبعاً لا. ثمّة مئة طريقة لمقاربة مسألة هذه الخريطة ووضعها على الطاولة بشكل ديبلوماسي تعزيزاً للموقف التفاوضي اللبناني.
وتخشى الأوساط نفسها بأن تكون زيارة هوكشتاين الى لبنان تأتي فقط لأنّ بلاده مهتمة بالثروة النفطية فيه، ولهذا تبدي اهتمامها بترسيم الحدود البحرية، ولكن ليس للتوصّل الى حلّ يؤدّي الى بدء لبنان عملية التنقيب في البلوك 9 الملزّم من “كونسورتيوم الشركات” (“توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية)، سيما وأنّ “توتال” استفادت من العقد الموقّع مع لبنان لإرجاء بدء عملها فيه الى آب من العام 1923. كما أنّها أبلغت الجانب اللبناني عن طريق وزير الطاقة وليد فيّاض أنّها ليست على استعداد للبدء بالحفر الإستكشافي في البلوك 9، الذي كان يُفترض أن يبدأ في كانون الأول من العام الماضي، إلّا بعد تأمين الضمانات الأمنية في المنطقة المتنازع عليها. وهذا يعني بأنّها ستواصل تعليق عملها الى حين التوصّل الى اتفاق نهائي على ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين.
وعن مقترحات هوكشتاين الجديدة- القديمة، رأت الاوساط بأنّ تقاسم الحقول النفطية، كأن يُعطى لبنان “حقل قانا”، والعدو الإسرائيلي “حقل كاريش”، هو نظريّاً صعب جدّاً. لكن هذه هي الاستراتيجية الأميركية – “الإسرائيلية” التي تهدف الى استدراج لبنان “خطوة خطوة” الى هذه الزاوية التفاوضية، فيُصبح أمام أمر واقع مفروض عليه ولا يُمكنه الخروج منه. ولعلّ الهدف من التقاسم بالدرجة الأولى هو إعطاء حلّ وهمي ما يجعل العدو الإسرائيلي يبدأ أعماله في “حقل كاريش” من دون أي مشاكل، فيما تطبيق هذا المقترح لا يُمكن أن يحصل لأسباب عدّة، منها عدم قبول العدو الإسرائيلي به، كونه يتمسّك بالخط 1 (غير القانوني) الذي يقتطع نصف “حقل قانا” لصالحه، فضلاً عن كيلومترات عدّة في البلوكين 8 و9.. كما أنّه من غير الممكن إعطاء لبنان “حقل قانا” بكامله الذي يتخطّى الخط 23، إذا كان الأميركيون و”الإسرائيليين” غير موافقين على الإعتراف بالخط 29 كحدود لبنان البحرية الفعلية، لأنّه يتخطّى الخط 23 بأكثر من نصفه.
أمّا أن يتمّ رسم خط ما تحت الماء، على ما قد يقترح أيضاَ، فتعتبره الأوساط مضيعة للوقت، سيما وأنّ جوهر الصراع هو من أين يجب الإنطلاق لرسم خط الحدود البحرية، أمن شمال الناقورة أي من الخط الأزرق أم من رأس الناقورة (صخرة تخليت)؟! هذه هي النقطة المركزية في الصراع، ولبنان حقّه محفوظ فيها، لكن عليه معرفة كيفية الدفاع عن هذا الحقّ من خلال تعديل المرسوم 6433 أو اتخاذ إجراءات عملية للحفاظ على حقّه القانوني هذا والذي يستند الى الإتفاقيات الدولية وقانون البحار.
دوللي بشعلاني – الديار
The post هوكشتاين يبدأ جولته الثانية في 8 شباط بعد حرب الرسائل الإعتراضيّة… appeared first on LebanonFiles.
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.lebanonfiles.com