تونس على صفيح ساخن بسبب الاحتقان الاجتماعي


<p class="rteright">رفوف فارغة لبعض المنتجات الغذائية داخل أحد المتاجر التونسية في 3 سبتمبر 2022 (رويترز)</p>
تعيش تونس على وقع احتقان اجتماعي ينذر بالانفجار بينما تستعد البلاد لخوض ثاني محطة انتخابية، بعد 25 يوليو (تموز)، في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهي الانتخابات التشريعية التي ستفرز برلمان المسار الجديد الذي بدأه رئيس الجمهورية قيس سعيد، وسط حال من الانقسام السياسي بين من يعارضه ويقاطع جميع محطاته السياسية وبين من يسانده.
وفي السياق، شهدت منطقة دوار هيشر في محافظة منوبة، ومنطقة مرناق في محافظة بن عروس، في ضواحي العاصمة التونسية، وأيضاً منطقة عقارب في محافظة صفاقس (جنوب) احتجاجات ليلية ضد غلاء الأسعار وفقدان العديد من المواد الغذائية الأساسية على غرار السكر والحليب والمياه المعدنية، وغياب الأفق في التنمية والعمل، وتنامي ظاهرة الهجرة السرية تجاه السواحل الإيطالية، وتزامن هذا الاحتقان الاجتماعي مع احتجاجات أصحاب سيارات الأجرة الفردية، المطالبين برفع سعر التعرفة وذلك إثر الزيادة في أسعار المحروقات، يضاف إلى ذلك احتجاج المعلمين النواب المطالبين بتسوية أوضاعهم المهنية.
وقد شارك في تلك الاحتجاجات المئات ورُفعت شعارات مطالبة بالعمل وخفض الأسعار وتوفير المواد الأساسية وتحسين الظروف الاجتماعية.
وتواجه المالية العمومية في البلاد تحديات خطيرة بعد تأخر صرف القسط الأول من قرض صندوق النقد الدولي لتمويل الميزانية وتوفير ما تحتاجه البلاد من نفقات اجتماعية واقتصادية.
انتحار شاب في مرناق
وقد شهدت منطقة مرناق احتجاجات ليلية إثر إقدام شاب من المنطقة على الانتحار شنقاً في منزله. وقد تضاربت الروايات حول الواقعة، حيث أكدت وزارة الداخلية أن التحقيقات الأولية أظهرات أن الشاب كان يعيش خلافات عائلية حادة، مشيرة إلى أن التحقيقات متواصلة بالتنسيق مع النيابة العمومية للكشف عن ملابسات الحادثة.
في المقابل، نفى طارق الدريدي، شقيق الشاب الذي أقدم على الانتحار رواية وزارة الداخلية، موضحاً في تصريح صحفي، أن شقيقه لم يقدم على الانتحار بسبب مشاكل عائلية.
ويذكر أن الشاب كان يستغل نقطة عشوائية خارج السوق البلدي في مرناق، وفي إطار تنفيذ قرار بلدي يقضي بمنع التجارة في هذه النقاط، تم حجز آلة الوزن الإلكترونية التي كان يستخدمها ودعوته لتسوية أوضاعه مع مصالح البلدية، ما دفع بعدد من الأهالي والمواطنين للاحتجاج على البلدية والسلطات الجهوية.
التصدي للمحتكرين
وأكد الرئيس التونسي خلال لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن، يوم الإثنين 26 سبتمبر (أيلول) 2022، على ضرورة تزويد الأسواق بالسلع والتصدي للمحتكرين والتجاوزات.
وأكد على ضرورة الضغط على توريد المواد الكمالية للحد من اختلال الميزان التجاري مع عدد من البلدان التي تضر بالمالية العمومية ولا تنتفع بها الا الجهات المصدرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار سعيد إلى عدد من الأزمات التي يقع افتعالها بهدف توظيفها سياسياً، مبرزاً أن “الشعب لم تعد تخفى عليه هذه المناورات ومن يقف وراءها ومن يريد الاستفادة منها”.
اتحاد الشغل يلوّح بالتصعيد
وفي هذه الأثناء، لوّح الاتحاد العام التونسي للشغل بالتصعيد معلناً أنه سيعقد هيئة إدارية للنظر في المستجدات الاجتماعية قائلاً إن “صبر الاتحاد بدأ ينفد”.
وقال أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، يوم الإثنين، على هامش انعقاد منتدى النقابات القاري، إن الاتحاد سيكون “سدّاً منيعاً ضد الخيارات التفريطية للحكومة”.
وجدد الطبوبي موقف المنظمة “الرافض لرفع الدعم عن الطبقة الوسطى والفقيرة التي تمثل 80 بالمئة من إجمالي الشعب التونسي”، لافتاً إلى أن “انعدام المواد الأساسية هو نتيجة محدودية الموارد المالية للدولة، وليس نتيجة للاحتكار والمضاربة”.
ولفت إلى أن الوضع الاجتماعي تفاقم في الأشهر الأخيرة، مع ازدياد معاناة المواطنين مشدداً على أهمية أن تكون “السياسات العامة في خدمة احتياجات المواطنين”.
صعوبات هيكلية في الاقتصاد
ومن جهته، يؤكد أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، ياسين بن إسماعيل، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن “المؤشرات الاقتصادية في تونس منذ 2011، في تدهور مستمر، على غرار مؤشر النمو ومؤشر البطالة والتضخم المالي وعجز الميزان التجاري، بعد أن كانت مستقرة إلى حدود نهاية سنة 2010″، لافتاً إلى أن “من تولى السلطة بعد 2011 يجهل دواليب تسيير الدولة والاقتصاد التونسي”.
وشدد بن إسماعيل على أن “جهاز الإنتاج يعيش إشكاليات هيكلية، مالية وجبائية وهو جهاز يقوم على اقتصاد الريع بعد أن كان مبنياً على سياسة الاكتفاء الذاتي”، لافتاً إلى أن “من يقوم على الدولة اليوم، لم يبتكر حلولاً اقتصادية واجتماعية جديدة بل واصل في الخيارات القديمة التي أنتجت الفقر والتفاوت الاجتماعي”.
ويضيف أن “السياسات النقدية في تونس خاطئة ومعاكسة للتوصيف الحقيقي للاقتصاد الذي فقد نصف رقم معاملاته لفائدة الاقتصاد الموازي”.
وحذر أستاذ الاقتصاد من “تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأن الاقتصاد الحالي لا ينتج الثروة، ولا يوفر مواطن العمل”، مشيراً إلى أن “احتياطي البلاد من العملة الصعبة لا يكفي لاستيراد ما يحتاجه التونسي من مواد غذائية أساسية لذلك تعجز الدولة عن التوريد بسبب عدم توفر ما يكفي من السيولة من العملة الصعبة وهي وضعية ناتجة عن انخرام منظومة الإنتاج في الاقتصاد التونسي”.
في المقابل، قام وزير الشؤون الاجتماعية، مالك الزاهي، يوم الإثنين، بزيارة إلى الوحدة المحلية للنهوض الاجتماعي بدوار هيشر، برفقة عدد من المسؤولين، للاطلاع على سير إسداء الخدمات لمنظوري الوزارة من عائلات محتاجة ومحدودة الدخل.
والتقى الوزير بعدد من المواطنين الذين تجمعوا بمقر الوحدة المحلية، وعقد جلسة نقاش مع عدد من نشطاء المجتمع المدني، لمعاينة الوضع الاجتماعي بالمنطقة، داعياً كل العاملين بالوحدة إلى مضاعفة الجهود لتحسين وتسريع إسداء الخدمات للمواطنين والتفاعل مع مطالبهم.
تنذر جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في تونس على حالة من الغليان والاحتقان الاجتماعي بعد تراكم الصعوبات اليومية التي يواجهها المواطن لتحصيل ما يحتاجه من المواد الأساسية، وسط ارتفاع متزايد وغير مسبوق لأسعار مختلف المواد، فهل يسبب هذا الاحتقان انفجاراً اجتماعياً يسبق الانتخابات التشريعية المقبلة ويضعها على المحك؟
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com