هل تركت درنة الليبية لتواجه مصيرها وحيدة؟

في الوقت الذي تجتاح فيه النزلات المعوية مدينة البيضاء (شرق) على خلفية تلوث مياه الشرب، تعيش مدينة درنة (شمال شرق ليبيا) هي الأخرى حالة من الألم تعمقت بسبب الانقسام السياسي الذي أثر على عودة الحياة للمدينة المنكوبة التي تعاني مرافقها التعليمية والصحية والخدماتية من شلل تام بسبب إعصار “دانيال” الذي العديد من المناطق والمدن بشمال وشرق ليبيا في سبتمبر (أيلول) الماضي مخلفاً آلاف القتلى والمفقودين. 

وحاولت حكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان لملمة ما بعثره إعصار “دانيال” عبر تنظيمها بداية الشهر الجاري مؤتمر إعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة استمر على مدى يومين لكنه فشل في التوصل إلى خطوات عملية حقيقية تصب في خانة إعادة الإعمار.

من جهته، طالب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بالتوجه نحو الاستفادة من الأموال الليبية المجمدة بالخارج في إعمار درنة، الطلب قوبل بالرفض من قبل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الذي شدد أن “السلطات المنتخبة وفق الدستور هي المخولة وحدها بالتصرف بالأموال الليبية المجمدة في الخارج”. 

التجاذبات السياسية كانت كفيلة بترك درنة تواجه مصيرها وحيدة وسط غياب الجهود الرسمية، حيث أطلق شباب المدينة حملة بمجهودات ذاتية لتنظيف كورنيش المدينة وعدد آخر من المرافق تحت شعار “يد بيد من أجل الزاهرة”.

عجز حكومي 

وقال أحد الناشطين بمدينة درنة عطية الحصائدي إن هناك العديد من الحملات الشبابية التطوعية للمساعدة في تنظيف المنازل وإعادة فتح الشوارع، مضيفاً لـ “اندبندنت عربية” أن “أعوان الشركة العامة للكهرباء يعملون من أجل إعادة الخطوط الرئيسية للشبكة في المناطق المتضررة بحيث يحصل الناس على الكهرباء لتسهيل عودتهم تدريجاً إلى منازلهم”.

وتعليقاً على تخلي الحكومات عن مدينة درنة وتركها وحيدة، أشار الحصائدي إلى أنه “من الإجحاف القول إن الحكومتين تركتا درنة لوحدها” مؤكداً “أن هنالك مجهودات مبذولة لكنها في الوقت نفسه لا ترتقي للمستوى المطلوب للتعامل مع آثار الكارثة التي تم استغلالها سياسياً” وفق تعبيره.

وأردف قائلاً إن درنة وبقية المناطق المتضررة أمام عجز حكومي شامل خاصة أننا على أبواب فصل الشتاء والكثير من الأشخاص بدون مأوى.

الزخم الدولي

في المقابل أكدت الأمينة العامة السابقة لحزب الجبهة الوطنية (مستقل)، فيروز النعاس أن “ترك درنة وحيدة بعد شهرين من الكارثة هي نتيجة متوقعة خاصة أن حكومة حماد (شرق) هي مجرد حكومة على الورق، وحكومة الدبيبة (غرب) لا تمتلك من أمرها شيئاً في المنطقة الشرقية”، موضحة أن تواتر الأحداث الدولية وعلى رأسها الحرب على قطاع غزة أفقدت درنة الزخم الدولي الذي كان من المفترض أن يصاحبها.

وقالت النعاس في حديثها إن “الأهالي يواجهون مظاهر الكارثة بجهودهم الذاتية البسيطة، خاصة أن درنة تعاني من انهيار كامل للبنية التحية منذ فترة طويلة تعود إلى عهد معمر القذافي تعمقت بفعل الإعصار”.

وأردفت أنه لا توجد إرادة سياسية حقيقية للنهوض بدرنة، داعية إلى تدخل دولي سريع عبر تشكيل هيئة دولية خاصة بعيداً عن الفساد المستشري في الحكومات الحالية والذي لن يسمح بعودة الحياة إلى المدينة، بحسب قولها.

وطالبت بـ “إشراف دولي على إعادة إحياء درنة لا إعادة إعمارها بحيث نحافظ على طابع وهوية المدينة. فإعادة الإعمار عادة ما تعصف بالبصمة المعمارية للمدن خاصة أن الجزء الذي انهار هو جزء لا يتجزأ من تاريخ درنة وليبيا بصفة عامة”. ودعت إلى إحياء هذا الجزء من جديد والحفاظ على الطابع المعماري الأندلسي في درنة الذي يعود إلى هجرة الأندلس واستقرارهم فيها، موضحة أن “هذا لن يتم إلا بإشراف دولي لأنه لو ترك الأمر للقائمين الحاليين سنشهد ولادة كارثة أخرى أكبر من كارثة درنة الحالية”.

وبعد مرور أكثر من شهر على الإعصار الذي عصف بدرنة وبقية المناطق المتضررة بالشرق الليبي لم تنجح الحكومات الحالية في تحديث الإحصائيات، حيث لم يتم الإعلان رسمياً إلى الآن عن القائمة النهائية للمفقودين، بينما تجاوزت آخر إحصائية معلن عنها للوفيات 4 آلاف شخص وفق تأكيدات سابقة للناطق باسم القوات المسلحة أحمد المسماري.