أخبار محلية

ندوب 4 آب وتداعياته… لن تفارق وجوه السياسيين

لم يكن أكثر المعادين للبنان يتوقعون ان يصل أهله الى حصيلة مأساة 4 آب 2020 عندما شاهد ابناء العاصمة وضواحيها تفجير مرفأ بيروت ووقوع هذا العدد من الضحايا والجرحى وتدمير المنازل من جراء زلزال دمر رئة اقتصادية حيوية وعطل قلبها. والتقت اسباب الانفجار وتجميع كل عناصر الفوضى وعدم توافر الحد الادنى من المسؤوليات التي سمحت بتخزين هذه الاطنان من نيترات الامونيوم التي تكفلت بازهاق حياة اكثر من مئتي ضحية وسقوط آلاف الجرحى وتخريب المنازل وتضررها وتهجير اهلها الذين يعيشون تحت ظلال سلطات تبين انها غير مسؤولة ولا تعرف السهر الا على مصالحها واستمرارها في جنة الحكم. وتعترف القوى السياسية والحزبية بان تداعيات هذه العاصفة كان لها تأثيرها وانعكاساتها السلبية على سائر افراد الطبقة الساسية ولو بدرجات بحكم تحمّل المسؤوليات في وزارات واجهزة امنية. وكان يُفترض في القائمين عليها ان تكون عيونهم مفتوحة اكثر في تحمل المهمات والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم. لكن ما النفع اذا كانت ضمائرهم معطلة ولا تتحسس اوجاع المواطنين ولم يقدروا حتى على التوجه لمعاينة مكان التفجير، وغاب اكثرهم عن الشاشات واطلالاتهم المعهودة وهم لا يستطيعون النظر في وجهي أبوين فقدا ابنهما.

ولو حصل هذا الحادث في آخر دولة في العالم الثالث لشهدنا على الفور استقالات ولو كانوا من اصحاب المناصب والسيادة والرتب العالية والنجوم المصفوفة على اكتافهم، احتراما للضحايا الذين غرقوا في شلال دم غطى المرفأ المنكوب ومحيطه، فضلاً عن تدمير منازل تراثية حيث لم تنحصر الخسائر في الارواح والمنازل والمحال ومكاتب الشركات والمدارس والمستشفيات فحسب، بل ان هذا التفجير هشّم ذكريات الكثيرين وقتل احلام شباب تثبّتوا ان المسؤولين عنهم لا يديرون دولة ويقودون مؤسسات بل يتعاطون معها وكأنها مزارع خاصة لهم. وللامانة فقط فان كثيرين من هؤلاء يقطنون في محيط التفجير الذي هز كل بيروت التي لم تعد تتحمل هذه الفصول من الاهمال وعدم تحمّل المسؤوليات.

وأحدث تفجير المرفأ سلسلة من التداعيات على سائر السياسيين من رؤساء ووزراء ونواب، الى كبار الموظفين من قضاة ومديرين عامين وعسكريين كبار من المسؤولين عن عمل المرفأ حيث تبين ولو من دون تعميم انهم لم يقوموا بالحد الادنى من الواجبات المطلوبة منهم. وبكلمة واحدة أظهر التفجير ان التقصير وآثاره بدت واضحة على وجوه المواطنين المفجوعين في الاماكن الملاصقة والمجاورة لمرفأ العاصمة الذي حوت عنابره نيترات الموت والامونيوم وسط مكاتب كانت مسرحاً للتلاعب والتهرب الضريبي والمحسوبيات ومزاريب الهدر المفتوحة على جيوب المحظيين والمنتفعين، وما اكثرهم في جمهورية لم يبق منها الا الاسم. وكان المرفأ صورة مصغرة عن عنابر المحسوبيات والتهريب، وقبل كل ذلك يكتشف اللبنانيون انهم يعيشون وسط بيئات غير آمنة.

لا تنفي القوى السياسية والكتل النيابية ان تفجير المرفأ أصاب صميم مشاريعها وطروحاتها وتسبب بخلق حواجز بين السياسيين والمواطنين بدليل ان قلة من اصحاب المعالي والسيادة يقدرون على التوجه الى مقاهي الجميزة والاشرفية ولو لارتشاف فنجان قهوة. واذا تمكن احدهم من القيام بهذا الفعل فهو يحتاج الى كتيبة من الحراس لتوفير الحماية له من ناشطين غاضبين لم يعودوا يصدقون الوعود التي يسمعونها منهم. وعلى رغم ذلك لم يعدم السياسيون وسيلة للدفاع عن طروحاتهم والقول انهم يؤدون الواجبات منهم حيال كل من تضرر من تفجير المرفأ الا ان تداعياته لا يمكن تغطيتها بسهولة. وزاد الطين بلة ان كل فريق يتعاطى من منظار مصالحه مع حرب الحصانات المفتوحة. وسيحل موضوع المرفا مادة رئيسية في الانتخابات النيابية المقبلة. وينقسم الافرقاء حيال شكل الحصانات ومقاربتها مع التحقيق حيث يتبين ان ثلاث كتل نيابية (امل وحزب الله والمستقبل) تؤيد محاكمة المدعى عليهم من رؤساء ووزراء امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء على عكس حال الرأي العام المؤيد لمثول الجميع امام المحقق العدلي طارق البيطار. ولذلك اسهب الافرقاء في تفسير معنى الحصانات والمطالبة بتعليقها او حذفها من الاساس، لكن هذا الامر دونه عقبات دستورية عدة.

صحناوي: استغلال التفجير
نائب الاشرفية العضو في تكتل “لبنان القوي” نقولا صحناوي يتحدث لـ”النهار” كيف ان حرباً محلية وكونية تستهدف فريقه السياسي ولا سيما بعد تفجير المرفأ واستغلاله للنيل من تياره والرئيس ميشال عون وتحميله كل الاخفاقات المتراكمة التي ادت الى هذه الحصيلة. لا يميز صحناوي بالطبع بين اوجاع اهالي الضحايا وخسائرهم، لكنه يقول ان اعدادا كبيرة من انصاره ومريدي فريقه استشهدوا وخسروا املاكهم في الاشرفية ومناطق اخرى اصابتها هذه النيترات اللعينة. ويعطي كل الحق لاهالي الضحايا في ما يعبّرون عنه من سخط وقهر وانتقاد الطبقة السياسية لان لا شيء يعوض عليهم خسارة فلذات اكبادهم سوى الحقيقة وتسهيل مهمة المحقق العدلي في جريمة التفجير. ولا يعارض رفع الحصانات النيابية او عن اي مسؤول يظهر انه ارتكب تقصيراً ما بحسب التحقيق. وعلى رغم الارتدادات السياسية على الكتل يقول صحناوي ان “التيار الوطني الحر” مستمر في الوقوف الى جانب ابناء الاشرفية والمتضررين من كل المناطق. ولا يخفي عتبه على جهات سياسية وجمعيات كيف تعمل على استغلال هذا التفجير واستثماره من اجل مصالح انتخابية ضيقة “بدأت معالمها باكراً على الارض”.

واكيم: قمنا بواجباتنا
ويلتقي نائب “القوات اللبنانية” عماد واكيم مع صحناوي بأن فريقه لم يقصر في الوقوف الى جانب ابناء المنطقة منذ الدقيقة الاولى لوقوع التفجير، وكيف ان “القواتيين” وجمهورهم استنفروا في الوقوف مع الاهالي ولا سيما مع الذين تضررت منازلهم ومساعدتهم في ترميمها. ويرفض واكيم تصنيف فريقه مع شعار “كلن يعني كلن” حيال التراخي في ادارة المرفأ وتفجير نيترات الامونيوم. ويقول انه لو كان هناك وزير “قواتي” تسلم حقيبة لها علاقة بالمرفأ فلن يعترض على محاسبته والتحقيق معه شأن الوزراء الثلاثة الذين ادعى عليهم القاضي البيطار. ويخلص الى ان فريقه “قام بالواجبات المطلوبة منه حيال الاهالي وابناء المنطقة من خلال مساعدتهم، فضلاً عن المطالبة بتحقيق دولي لكشف حقيقة ما حصل في هذا التفجير ومن كان بالفعل وراء جلب هذه النيترات وجمعها في المرفا وصولاً الى كشف كل المقصرين في اي موقع كانوا”. ولا يفوته التصويب على جمعيات مدنية “استغلت وجع الناس ثم اختفت. وقد وصل عددها الى 120 جمعية في الاسبوع الاول الى ان اصبح اقل من عشر جمعيات، وجمع اكثرها المال لجيوب اصحابها والمشرفين عليها ولم تصل كل هذه المساعدات الى المتضررين “الذين لم يتلقوا الدعم والرعاية المطلوبين من الدولة”.

بعد مرور سنة على نكبة المرفأ ينتظر اللبنانيون حقيقة ما حصل، لكن لسوء حظهم وفي ظل هذه الطبقة من السياسيين وعدم القيام بمحاسبة فعلية في صناديق الاقتراع سيبقون عالقين بين عنابر الموت والفوضى الممتدة على مساحة الوطن.

رضوان عقيل
radwan.aak@annahar.com.lb

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى