كتب الاعلامي والصحفي نبيل اسماعيل : عند الفجر، ارتدينا دروعنا، تأبطنا كاميراتنا، وشققنا طريقنا نحو كفركلا المستشهدة في بيوتها.
في منتصف بلدة القليعة، حاجز للجيش يمنع الدخول إلى كفركلا، البلدة التي تحوّلت إلى حديث الناس بعدما قتلها العدو ودمّرها بالكامل. مع الصباح الباكر، دخلها الجيش، فيما مُنع المدنيون والصحافيون من الدخول حتى يتم الكشف عن الأفخاخ والألغام. عند الساعة العاشرة، سُمح لنا بالمضيّ، ولكن على الأقدام فقط. الضابط برّر الأمر بالخشية على سلامتنا، فالطرقات قد تكون غير آمنة.
بضعة مدنيين كانوا معنا، سألنا صبية تدعى حنان عن المسافة، فأجابت: “عشرة دقائق فقط”. دقائق بدت لنا بلا قيمة أمام هول المشهد الذي ينتظرنا. عبرنا الحاجز في اتجاه برج الملوك، بينما اختار بعض الأهالي طريق ديرميماس. مشينا، مرّت الدقائق العشر وتلتها عشر أخرى ونصف ساعة ونحن نقطع الطرقات، نلوّح بكاميراتنا بين الحين والآخر ليعرف من يرانا أننا صحافيون.
فجأة، أدركنا أننا لا نزال في برج الملوك، والطريق إلى كفركلا أطول مما تصورنا. قبل بلوغها، كان علينا المرور عبر بلدة تل النحاس، حيث التقينا ببعض المدنيين يتفقدون ما بقي من منازلهم. سألناهم عن المسافة، فأجابوا: “ربع ساعة، وربما أكثر”. لكن في تلك اللحظة، لم يكن الوصول إلى كفركلا مطلبنا الوحيد، بل أيضاً العثور على قنينة ماء بعدما أنهكنا العطش. غير أن تل النحاس، التي تحولت إلى ركام، لم تكن تملك حتى ذلك.
واصلنا السير. وبعد نحو ربع ساعة أخرى، وجدنا أنفسنا أمام أكوامٍ من الردم، نظرنا حولنا وتساءلنا: “أين كفركلا؟”. البلدة التي في ذاكرتنا كانت تمتد بساحتها ومقاهيها وبوابتها الشهيرة، لكنها الآن صامتة، بلا حياة. لقد تحوّلت إلى أكوام من الدمار المستشهد، بصمات الحقد الوحشي تطبع كل زاوية منها.
وقف أحد أبناء البلدة إلى جانبنا، حدّق طويلاً في الأنقاض، ثم صاح: “يا الله، أين بيتي؟ لم أتعرف عليه! أين هو؟”. فجأة، رفع يده مشيراً: “هذا الجدار، تلك ثكنة الجيش، وهذا الدوّار… إذن، هذا هو بيتي؟!”. ثم نظر إلينا وقال بصيغة التعجب: “يعني نحن نقف على ركامه!”.
كثيرون مثله وقفوا وسط الركام يسألون: “أين بيتنا؟”، لكن الإجابة كانت واحدة… لقد أُبيدت كفركلا، وسُرق منها كل شيء، حتى معالمها.