ما هو السيناريو الذي تخطط له أميركا وبعض دول التطبيع ؟
كتب الصحافي حسن عليق:
في العام 1982، حاصر الغزاة الصهاينة عاصمتنا بيروت لنحو شهرين. شهدت المدينة قبل بدء الحصار غارات جوية لم تشهد لها مثيلاً حتى ذلك الحين. وبعد إحكام الحصار، صارت النيران أكثر وحشية. يروي بعض الذين عايشوا تلك المرحلة أن إحدى جولات القصف التدميري، جوّا وبحراً وبرّاً، استمرت لـ16 ساعة متواصلة، من دون توقّف ولو لساعة. احترقت بيروت (التي كتبت عنها “السفير”، آنذاك، بأنها “لا ترفع الراية البيضاء”).
بعد شهرين من الحصار، انتزع الأميركيون اتفاقاً على إخراج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من العاصمة اللبنانية، رغم أن القوات الغازية لم تكن قد تمكّنت من دخول الشطر الغربي من المدينة. دخلته لاحقاً، لكنها سرعان ما انسحبت بعدما بزغ فجر المقاومة اللبنانية (بشقّيها، الوطنية والإسلامية).
اليوم، تقترح الولايات المتحدة الأميركية والعدو وبعض أنظمة التطبيع تكرار السيناريو: إخراج المقاومة من غزة، وتنصيب محمود عباس أو الدحلان أو شبيه أحدهما حاكماً عليها، لتصفية القضية الفلسطينية بهدوء!
غزة اليوم هي بيروت تموز وآب 1982؟ نعم، لكن مع فوارق تكاد تُبطل أصل المقارنة.
1- المقاومون في غزة هم أهل الأرض. صحيح أن بيروت احتضنت منظمة التحرير لسنوات، لكن الفدائيين الفلسطينيين، في النهاية، لم يكونوا أبناءها، ولو أن جزءاً كبيراً من أهلها كان يعتبرهم أهل الدار. إنما، عسكرياً، هذه الجزئية تصنع الكثير من الفوارق.
2- لم تملك المقاومة الفلسطينية في بيروت البنية التحتية التي تملكها المقاومة في غزة، وخصوصاً شبكة الأنفاق التي اتسعت وتطوّرت بعد العام 2014 بصورة من المتوقع أن تظهر نتائجها في أي عدوان بَري يشنّه العدو (الإسرائيلي والأميركي) على القطاع.
3- مع جزيل الاحترام لتجربة الثورة الفلسطينية في لبنان، فإن مقارنتها بكتائب القسام والجهاد وسائر مقاومي غزة، يُعد ظلماً للأخيرة، لجهة الخبرة العسكرية الهائلة التي راكمها أبناء غزة بعد أكثر من 6 حروب شنّها الاحتلال عليهم، عدا عن الجولات القتالية، فضلاً عن اختلاف التجربة بالزمان والمكان والظروف التاريخية والتركيبة العقائدية والتنظيمية…
4- مجدداً، مع جزيل الاحترام للذين سبقوا، تكفي قراءة تاريخ تلك المرحلة لتوضيح الفارق بين حلفاء “حماس” و”الجهاد” وسائر فصائل المقاومة الفلسطينية من ناحية، وحلفاء الثورة الفلسطينية في العام 1982 من الناحية الأخرى. آخر ما نُشر في هذا الصدد، ما كتبه غسان شربل في “الشرق الأوسط” قبل نهاية آب الماضي، استناداً إلى مذكرات هاني الحسن الذي روى كيف أن السفير السوفياتي قال حينذاك لـ”أبو عمار”: “اخرج انت وكوادرك من بيروت.. ولو على ظهر بارجة أميركية”!
في المحصلة، لا، غزة اليوم ليست بيروت تموز وآب 1982. تفوُّقُ الأعداء لا يزال تفوُّقَ الأعداء، مع عدم إغفال مراكمتهم المزيد من القدرة على التدمير والقتل. لكن المقاومة في غزة ليست مقاومة بيروت في الحصار وقبله. هي أكثر قوةً بجميع المقاييس، وإنْ كانت غزة محاصرة منذ 17 عاما. المعركة البرّية بدأت، بطريقة اختارها العدو ليتقي شرّ “الهجوم البري الشامل” في فلسطين والإقليم. لكن، مهما كان شكل هذا العدوان، فإن المقاومة اليوم في غزة تقاتل لتنتصر. وستنتصر. غزة لن ترفع الراية البيضاء. أبناؤها لن يخرجوا منها، ولن نضطر إلى انتظار جيل جديد لننتصر. لن يخرجوا منها، بل سيُلحقون بالعدو هزيمة ستُلاحقه إلى ما بعد خروجه من أرضنا، تماماً كما هي “طوفان الأقصى”. أبناء غزة لن يغادروها. بعيداً عن اي شعار أو فِعل، لن يغادروا، لأسباب شتى، أولها أن هذا مكانهم، وهذا زمانهم.
للإشتراك في خدمة أخبار *جنوب 24* عبر تطبيق واتساب