لماذا كل هذه الضجة حول زيارة بيلوسي المحتملة إلى تايوان؟


<p class="rteright">رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي (رويترز)</p>
لم تؤكد رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إذا كانت ستزور تايوان، ولم يُكشف إذا ما كان الرئيسان الصيني والأميركي، تطرقا إلى الزيارة بشكل مباشر خلال محادثتهما، ومع ذلك، ظهرت حساسية ملحوظة تجاه وضع الجزيرة، فقد حذرت الصين من “عواقب وخيمة ومن اللعب بالنار” ووصف الرئيس جو بايدن فكرة الزيارة بأنها لم تكن جيدة، لكن نيوت غينغريتش رئيس مجلس النواب الأميركي السابق زار الجزيرة في تسعينيات القرن الماضي، كما زار وفد من الكونغرس تايوان في أبريل (نيسان) الماضي 2022، كما زارها العديد من الوزراء في الإدارات الأميركية السابقة من دون ضجة واسعة، فلماذا صاحب خبر صحيفة “فايننشيل تايمز” عن زيارة بيلوسي المرتقبة هذه الضجة الواسعة؟
تحذير من اللعب بالنار
لاتزال قضية تايوان من بين أكثر القضايا إثارة للجدل بين الولايات المتحدة والصين، فقد برزت كنقطة صراع خطيرة، يخشى المسؤولون الأميركيون من تحرك صيني وشيك في الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، ومنذ نشر صحيفة “فايننشيل تايمز” خبر زيارة بيلوسي إلى تايبيه، تدفع تحذيرات من بكين وجهود منسقة من قبل إدارة بايدن إلى منع التوترات المتصاعدة من الخروج عن نطاق السيطرة، وظهر هذا واضحاً في المكالمة الهاتفية التي استمرت ساعتين و17 دقيقة الخميس الماضي حين وجه الرئيس الصيني شي جينبينغ تحذيراً ينذر بالسوء إلى بايدن، وفقاً لرواية وكالة الأنباء الصينية الرسمية التي قالت إن شي حذر بايدن من أن أولئك الذين يلعبون بالنار سيهلكون بها.
وعلى الرغم من ذلك، قلل جون كيربي منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي الأميركي من أهمية تحذير شي معتبراً أنه من المعتاد أن يحذر الزعيم الصيني من أخطار اللعب بالنار فيما أكد بايدن أن سياسة الولايات المتحدة لم تتغير وأن الولايات المتحدة تعارض بشدة الجهود الأحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن أو تقويض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان.
لكن الآمال في تحسين العلاقات مع بكين كانت منخفضة، ومع ذلك، لا يزال مساعدو بايدن يأملون في أن الحفاظ على علاقة شخصية بين بايدن وشي والتي بدأت قبل سنوات، يمكن أن تجنب سوء التقدير بين الجانبين الذي قد يؤدي إلى المواجهة.
أصل المشكلة
غير أن ما كشفته صحيفة “فايننشيل تايمز” عن الزيارة المرتقبة نقلاً عن ستة مصادر مختلفة ولم تنفه المتحدثة باسم بيلوسي، يثير أسئلة حول طبيعة ردود فعل كل من واشنطن وبكين، وسط التوترات المتصاعدة حالياً في المنطقة، كما أنه يمثل استمراراً للعملية التي شهدت انخراطاً سياسياً أميركياً متزايداً مع تايوان، الأمر الذي أثار انزعاج الصين، لكنه أيضاً يثير أسئلة أوسع عن سبب الضجة التي تصاحب زيارة بيلوسي المحتملة رغم أن العديد من المسؤولين والمشرعين الأميركيين زاروا تايوان من دون ضجة مماثلة.
يعود أصل المشكلة بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان بما في ذلك الجدل حول حول زيارة بيلوسي المحتملة إلى سياسة “صين واحدة” التي اتبعتها الولايات المتحدة منذ نهاية السبعينيات وحتى الآن حسبما تقول ميريديث أوين، أستاذ التاريخ السياسي والدراسات الآسيوية في جامعة ميريلاند، إذ أن سياسة “صين واحدة” مثلت الموقف الدبلوماسي الذي تعترف الولايات المتحدة بموجبه بالصين، وتعترف في نفس الوقت بموقف بكين بأن تايوان هي جزء من الصين، وهي السياسة التي ظلت تحكم العلاقات الأميركية مع تايوان على مدار الأربعين عاماً الماضية، ففي عام 1979، تخلت الولايات المتحدة عن سياستها السابقة التي كانت تعترف من خلالها بحكومة تايوان (الصين الوطنية) على أنها حكومة الصين بأكملها، وبدلاً من ذلك حولت الاعتراف بالحكومة إلى الأراضي الرئيسة للصين الشعبية وعاصمتها بكين.
قطع العلاقات الدبلوماسية
وكجزء من هذا التغيير، قطعت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع تايوان، واستبدلت السفارة الأميركية في تايوان بكيان غير حكومي يسمى المعهد الأميركي في تايوان، ومع ذلك ظل المعهد أشبه بسفارة أميركية بحكم الأمر الواقع، على الرغم من أنه حتى عام 2002، كان على الأميركيين المعينين بالمعهد الاستقالة من وزارة الخارجية الأميركية كشرط للذهاب إلى هناك، لكن الوزارة كانت تعيد توظيفهم بمجرد انتهاء فترة خدمتهم، ولهذا كان الاتصال بين الحكومتين الأميركية والتايوانية من الناحية الفنية غير رسمي.
غير أن تايبيه تحولت بعيداً عن الافتراض الذي تبنته الحكومات في كل من الصين وتايوان بإعادة التوحيد في نهاية المطاف مع البر الرئيسي، عندما سعت الحكومة في تايوان إلى الديمقراطية، بدءاً من رفع الأحكام العرفية عام 1987 وحتى أول انتخابات ديمقراطية كاملة في عام 1996، ومع ذلك، لم تتخل الحكومة في الصين أبداً عن فكرة “الصين الواحدة” وترفض الحكم الذاتي لتايوان، الأمر الذي جعل الاتصال المباشر بين ممثلي تايوان والولايات المتحدة مثيراً للقلق والجدل بالنسبة للمسؤولين الصينيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن في الواقع، ظلت الولايات المتحدة ملتزمة بعدم إثارة غضب الصين، ففي عام 1995، عندما وصل لي تونغ هوي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في تايوان، إلى جزر هاواي في طريقه إلى أميركا الوسطى، لم تطأ قدمه الأراضي الأميركية، بعدما أوضحت وزارة الخارجية الأميركية خلا إدارة الرئيس بيل كلينتون أنه سترفض منح الرئيس تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، لكنها سمحت باستقبال قصير على مستوى منخفض في صالة المطار أثناء التزود بالوقود، ورفض لي تونغ هوي حينها مغادرة الطائرة.
زيارات سياسية سابقة
لكن بعد عامين من هذا الحادث، زار تايوان رئيس مجلس النواب آنذاك نيوت غينغريتش، ما أزعج بكين على غرار زيارة بيلوسي المحتملة، لكن الاختلاف هنا، أنه كان من السهل على إدارة الرئيس بيل كلينتون، أن ينأى بنفسه عن غينغريتش الذي كان سياسياً جمهورياً معادياً لإدارة كلينتون، وكان يزور تايوان بصفته الخاصة، وليس نيابة عن الرئيس، في حين أن زيارة بيلوسي المحتملة تتباين تماماً، لأنها عضوة في نفس الحزب الذي ينتمي إليه بايدن وهو الحزب الديمقراطي، وقد تفترض الصين أنها تحظى بمباركة بايدن، على الرغم من أن تعليقاته العلنية على عكس ذلك، فقد أوضح عندما سُئل قبل أيام عن آرائه بشأن رحلة بيلوسي المحتملة، أن الجيش الأميركي (وليس هو شخصياً) يعتقد أنها ليست فكرة جيدة في الوقت الحالي.
وما يثير قلق الصين الآن، أن تعليق بايدن يكرر صدى تصريح له في مايو (أيار) الماضي، اقترح فيه أن تتدخل الولايات المتحدة “عسكرياً” في حالة غزو الصين لتايوان، على الرغم من تراجع المسؤولين في البيت الأبيض عن التعليق، الذي كان من شأنه أن يكسر سياسة الغموض القائمة منذ فترة طويلة بشأن ما ستفعله الولايات المتحدة إذا حاولت الصين الاستيلاء على تايوان بالقوة.
وعلى ما يبدو، فإن بكين يساورها القلق من أن البيت الأبيض يحاول أن ينأى بنفسه ظاهرياً عن زيارة بيلوسي المحتملة، والتي تشير إلى تحول في العلاقات الأميركية – التايوانية بعد فترة كانت الولايات المتحدة تحاول فيها بالفعل إعادة تقييم كيفية تفاعلها مع تايوان.
سياسة التحول
في عام 2018، أقر الكونغرس الأميركي بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، قانون السفر إلى تايوان، والذي يعد انحرافاً عن السياسة السابقة، فقد سمح القانون بزيارات رسمية ثنائية بين الولايات المتحدة وتايوان، على الرغم من أنها لا تزال تعتبر شبه دبلوماسية، وفي أعقاب ذلك، أصبح أليكس عازار، وزير الصحة والخدمات الإنسانية في عهد دونالد ترمب، أعلى مسؤول أميركي يزور تايوان منذ عام 1979، ثم في عام 2020، زار تايوان كيث كراش، المبعوث الاقتصادي الأميركي في رحلة تحد للتهديدات الصينية آنذاك، وهو ما جعل بكين ترسل غواصتين قرب الجزيرة.
وفي أبريل الماضي 2022، زار وفد من الكونغرس الأميركي تايوان، وهو الوفد الذي كان من المقرر أن تقوده بيلوسي نفسها إلى الجزيرة في نفس الشهر، لكنها ألغت زيارتها بعد أن ثبتت إصابتها بفيروس كورونا.
عدم ثقة متبادل
وبحسب بعض المحللين السياسيين في واشنطن، فإن أي زيارة رفيعة المستوى من المسؤولين الأميركيين إلى تايوان، حتى لو كانت بدون دعم واضح من البيت الأبيض، من شأنها أن تشير إلى مساندة الولايات المتحدة للجزيرة في وقت أثار الهجوم الروسي على أوكرانيا أسئلة حول التزام المجتمع الدولي بحماية الدول الأصغر من الجيران الأكثر قوة، وهو ما يثير القلق البالغ في بكين، خاصة وأن الحزب الشيوعي الصيني يخطط أيضاً لعقد مؤتمره العشرين في الأشهر المقبلة، ما يجعل التوقيت حساساً لزيارة تايوان من شخصية سياسية أميركية بارزة مثل بيلوسي.
وعلاوة على ذلك، أدى تآكل الديمقراطية في هونغ كونغ إلى تقويض التزام الصين بفكرة “دولة واحدة ونظامان” وهو المبدأ الذي سمح لهونغ كونغ بالحفاظ على أنظمتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أثناء عودتها إلى البر الرئيسي بعد نهاية الحكم البريطاني، وهذا ما يثير قلق الغرب بقيادة الولايات المتحدة من أن نموذج إعادة توحيد الصين مع تايوان على نفس هذا المبدأ، لا يمكن الوثوق بها.
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
الموقع :www.independentarabia.com